فتحت ''الخبر''، في سهرة مميزة، صفحات شهيد الصحافة الجزائرية ''عمر أورتيلان''، بمنحها جائزة من غيّب الموت كتاباته، للصحفي التونسي الشاب ''سفيان الشورابي'' وتكريمها لعميد الصحافة الجزائرية بوبكر حميدشي في دورتها الثانية عشرة، تزامنا مع حلول الذكرى السادسة عشرة لاغتيال رئيس تحرير ''الخبر'' الأسبق المرحوم عمر أورتيلان. في جو حميمي، اجتمع ضيوف ''الخبر'' أول أمس، بفندق الهيلتون، الذين توافدوا على قاعة ''الطاسيلي'' ليصنعوا فسيفساء من الوجوه التي عايشت مسار جريدة كل الجزائريين ومختلف الدورات التي سجلتها جائزة عمر أورتيلان الدولية لحرية الصحافة. وعلى أنغام فرقة ''البشطارزية'' من مدينة القليعة، توافد ضيوف ''الخبر'' تباعا، فكانوا مسؤولين، سياسيين، صحفيين من أصدقاء المهنة وفنانين، أبوا إلا أن يشاركوا في حفل تسليم جائزة حرية الصحافة واستحضار صور من الماضي لنضال جيل من الصحفيين الذين منحوا حياتهم ثمنا لحرية الرأي والتعبير في الجزائر. افتتحت السهرة بكلمة لرئيس لجنة تحكيم جائزة ''عمر أورتيلان الدولية'' لحرية الصحافة، أحمد بجاوي، الذي رحب بالحضور وتحدث عن جديد هذه الدورة والدورات القادمة، من خلال تكريم خاص لشخصية إعلامية تكريما لمسيرتها المهنية كاملة. وقبل أن يتم تسليم الجائزة، تم عرض فيديو عن مسيرة الراحل وشهيد الصحافة الجزائرية عمر أورتيلان، حيث أضفى على القاعة التي كان من بين الحضور أفراد عائلة الفقيد، جوا من الحزن وهم يتتبعون من جديد، خطوات الراحل، حيث يتزامن منح الجائزة مع حلول الذكرى السادسة عشرة لاغتياله يوم 3 أكتوبر .1995 وارتسمت أجواء الحزن، خصوصا وأن الشريط يعرض لأول مرة صورا عن جنازته ويجسّد حادثة اغتياله من طرف مجموعة إرهابية. بعدها تقدّم إلى المنصة عضو لجنة التحكيم بوغابة أحمد من المغرب، الذي قرأ بيان لجنة التحكيم، ليستلم الصحفي التونسي سفيان الشورابي الجائزة، وأتبع التكريم بشريط فيديو عن مسار الصحفي وما أسهم به خلال الثورة التونسية. كما كرم الصحفي الجزائري القدير بوبكر حميدشي عرفانا لمسيرته الصحفية الحافلة بالكتابات النقدية التحليلية وعرض شريط فيديو عن مساره. ومع وجبة العشاء، فسح المجال لأنغام زمن الوصل الأندلسي، حيث استمتع الحضور بلحظات موسيقية مهربة من الزمن الجميل، في سفرة روحية قادها أعضاء فرقة البشطارزية. مساره المهني تجاوز 45 سنة ''بوب'' كبير معشر صحفيي قسنطينة يمارس بوبكر حميدشي مهنة الصحافة منذ أكثر من 45 سنة، وهو اليوم صحفي مثلما بدأ يعيش بسيطا من مرتبه الشهري، لم يطلب شيئا، ولم يأخذ شيئا ولا يريد شيئا سوى فضاء حرا يحتضن كلماته، وهو يكتب موضوعا أسبوعيا على صفحات ''لوسوار دالجيري'' تحت عنوان lettre de province منذ 12 سنة. بوبكر أو ''بوب'' كما يحلو للأصدقاء تسميته، واسع الإطلاع، يقرأ كثيرا، وكل من يحدثه، ولو للحظات، يستفيد لا محالة من فكرة أو معلومة جديدة. لا يبخل بالرأي إذا استشرته، ويستمع لمحدثه باهتمام حتى وإن كان شابا في بداية مشواره. عندما تسأل عنه في قسنطينة يقال لك ''إنه كبيرنا نحن معشر الصحفيين'' وهو فعلا كبيرنا بكل ما تحمله الكلمة من معاني. قبل تكريم ''الخبر'' تحصّل حميدشي في 2008 على جائزة مؤسسة عبد الحميد بن الزين، وصدر له كتاب جمع فيه عددا من كتاباته الصادرة بين 2005 و2010 تحت عنوان province elettre d. يحب حميدشي كتابة الروبورتاج. حاليا يقضي ''بوب'' جل وقته في القراءة وتحضير مقالته الأسبوعية، ويستمتع بمرافقة الأحفاد إلى المدرسة. سفيان الشورابي تحدّى ديكتاتورية بن علي ب''القلم'' سفيان الشورابي هو أحد تلك الأقلام التي تجرّأت على أن تقول لبن علي: ''لا''، مهما كان الثمن، وأيا كان المنبر. سفيان صحفي ومدوّن تونسي، عارض نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. عمل في جريدة ''الطريق الجديد'' الناطقة باسم حركة ''التجديد''، إلى جانب نشاطه السياسي والإعلامي عبر الانترنت. تعرّض لمضايقات كثيرة، كما حُجبت مدوّنته الإلكترونية عدّة مرّات. وفي الثورة التونسية ضد نظام بن علي، كان في المقدّمة، حيث حمل سلاحه المكوّن من ورقة وقلم وكاميرا، ونقل للعالم ما يجري من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يتوقّع نجاح الثورة الذي بدأ مرحلة أخرى بتحدّيات أخرى، يقول وهو الذي يرأس ''جمعية الوعي السياسي للتثقيف الشبابي'' إن أهمّها على الإطلاق، الحفاظ على مكتسبات ثورة تونس، في مجال حريّة التعبير. سفيان الشورابي ل''الخبر'' ''الجائزة تكريم لتونس واعترافا بالإعلام البديل'' ما الذي تعنيه لك جائزة الشهيد عمر أورتيلان؟ - أعتبر منحي الجائزة، ليس تكريما لشخصي فحسب، بل لكل الصحفيين الذين دافعوا عن حقّهم في حرية التعبير، وصمدوا خلال سنوات الديكتاتورية. وهذا أفضل ما يمكن أن تقدّمه جريدة جزائرية لإعلاميين استطاعوا تحدّي غطرسة النظام الدكتاتوري والضغوطات التي كانوا يتعرضون لها أثناء عملهم. تمثّل الجائزة أيضا، اعترافا بالدور المحوري الذي أصبحت تلعبه وسائل الإعلام البديلة في كسر حاجز التعتيم الإعلامي، وعرفانا بالأدوار التي يلعبها الإعلاميون على شبكات الانترنت في تسليط الضوء على ما تريد السلطات تحجبه. أتمنى أن يحظى الإعلام الالكتروني بحظوة أفضل في المستقبل للدور الذي لعبه أثناء الثورة التونسية. حدّثنا عن ظروف عملك خلال الثورة التونسية؟ - ظروف العمل كانت صعبة جدّا.. كنت أتحايل لنقل الخبر، فعندما تكون هناك دعوة للتظاهر، أتواجد في المكان قبل ساعات، حتى لا يمنعني البوليس، وعندما أُكمل تصوير المظاهرة، أخفي الكاميرا عند شخص آخر لألتقي به لاحقا في الصحيفة. كان علينا فعل أيّ شيء لكسر حاجز الخوف، وقد تعرّض العديد من الزملاء للسجن والاعتقال. زين العابدين بن علي لم يوفّر أي أسلوب من أساليب الأنظمة الديكتاتورية، اعتقادا منه أنه سيخنق الأصوات الحرّة، لكنه لم ينجح. كيف تستشرف مستقبل حرية الإعلام في تونس؟ - من المؤكّد أن هامش الحريّة متّسع، لكن المشهد الإعلامي لم يتخلّص من كل أمراضه، كغياب الحرفية والمهنية، وتوجّس الإدارة من الصحفيين، وعدم استعادة المواطن كامل الثقة في الصحافة. ثمّة أيضا استمرار لكثير من الأقلام والوجوه التي كانت تدعم النظام السابق، وهي تعمل بكل أريحية ودون أدنى محاسبة، رغم المبادرة التي أطلقتها نقابة الصحفيين والمتمثّلة في تحديد قائمة سوداء بالأقلام المأجورة التي كانت تعمل لصالح النظام بمقابل مادّي. لكن الأهم هو أن زمن كتم الأصوات الحرّة مضى بلا رجعة، فلا سلطة قادرة اليوم على سلب الإعلاميين والصحفيين حرّياتهم، وأعتقد أن أجمل شعار كُتب على جدران تونس هو: ''لا خوف بعد اليوم''. فاكهة الطبعة ال 12للجائزة ''وثائقي'' عمر أورتيلان يعيد ذكريات بوجمعة خشعت نفوس الحضور للشريط الوثائقي الذي عرض، حيث اقتفى أثر الراحل عمر أورتيلان من مسقط رأسه إلى وفاته. وكان الشريط جديد الدورة، وترك انطباعا طيبا في وسط الحضور وزملاء المهنة، خصوصا وأنه يعرض لأول مرة شهادة والدة الراحل ولقطات عن جنازته. وكان الشريط الوثائقي أنجز من طرف الطالب المتخرج من معهد الإعلام بجامعة الجزائر محمد الفاتح خوخي، الذي كان موضوع مذكرة تخرجه، وقد التحق حديثا بقاعات تحرير ''الخبر''. ''شكرا ل''الخبر'' على هذه الالتفاتة'' أشكر ''الخبر'' على هذه الالتفاتة الجميلة، وأشكر لجنة التحكيم التي اختارتني. بعد هذا العمر في الصحافة المكتوبة، أتمنّى أن أبقى عند حُسن ظن قرّائي بي، وأن أكون مفيدا لهم. سعيد جدّا بهذا التكريم الذي أهديه لزوجتي العزيزة، التي وقفت بجانبي دائما وكانت سندي الحقيق.. أقول لها: ''أنا لست شيئا دونك''. بيان جائزة ''الخبر'' عمر أورتيلان الدولية لحرية الصحافة عقدت لجنة جائزة ''الخبر- عمر أورتيلان العالمية لحرية الصحافة'' اجتماعا السبت ''30 أفريل 2011 قررت فيه منح الجائزة هذا العام للصحافي التونسي سفيان الشورابي. وقالت اللجنة إن الشورابي ''كان أحسن من مثّل الدور المهني والملتزم للإعلام الجديد في تونس حين كانت تخضع لتسلط نظام بن علي الذي داس على الحريات بكل أنواعها''. وأضافت اللجنة ''إن هذا التكريم لصحافي شاب في بلد كان أول من دشن الحراك السياسي الذي تعيشه المنطقة العربية، إنما هو تكريم لكل المهنيات والمهنيين في الإعلام بمختلف أشكاله، خاصة الإعلام الجديد الذي كان له دور مهم في انطلاق هذا التغيير الديمقراطي''. وأشارت اللجنة أن العديد من الزملاء المهنيات والمهنيين يستحقون الجائزة، وعلى رأسهم الصحفيات اللواتي أبدين شجاعة غير مسبوقة في الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية في أكثر من بلد عربي''. وترى اللجنة أن تكريم الشورابي بالجائزة هذا العام هو تكريم لكل هذا الجيل من الذي فرض نفسه بمهنيته والتزامه بحرية التعبير. كما قررت اللجنة وابتداء من هذه السنة وفي موازاة الجائزة، تكريما خاصا لشخصية إعلامية عن ''مسيرته المهنية كاملة''، وقررت تكريم الصحفي الجزائري بوبكر حميدشي الذي أفنى حياته في الدفاع عن قيم الحرية وتخرج على يديه عديد من المهنيين. الفائزون في الطبعات ال11 السابقة - 2000 توفيق بن بريك (صحفي تونسي) - 2001 علي ديلام (ليبرتي) وعبد القادر عبدو (الخبر) - 2002 إذاعة وتلفزيون فلسطين - 2003 طارق أيوب (قناة الجزيرة) - 2004 أحمد عنصر (الوطن) - 2005 جوليانا سيغرينا (إيطاليا) - 2006 باية قاسمي - 2007 إيغناسيو راموني (إسبانيا) - 2008 بوعلام غمراسة (الخبر) ومصطفى بن فوضيل (الوطن)؟ 2009 عبد الكريم خيواني (اليمن) - 2010 سليمان حميش (الخبر) وفيصل مطاوي (الوطن) أصداء - أعجب الحضور بوجبة العشاء التي كانت تقليدية مائة بالمائة، حيث صنع ''طاجين الشخشوخة'' التميز. - التف حول الممثل القدير عثمان عريوات عدد كبير من معجبيه من الحضور، الذين لم يفوّتوا فرصة التقاط صور تذكارية معه. - أضفى الصحفي القدير بوبكر حميدشي جوا من الفرحة والضحك، عندما كان يتحدث عن زوجته التي ظلت سنده الوحيد، وصفق الجميع له وهو يعترف بجميلها ويرسم على جبينها قبلة من الاحترام. - فضّل الصحفي التونسي الشاب سفيان الشورابي تسليم باقة الورد، التي منحت له، إلى زوجة الصحفي القدير بوبكر حميدشي معتبرا إياها والدة الجميع. - أعجب الحضور بما سلّم لهم في نهاية الحفل، خصوصا وأن له علاقة بشهيد ''الخبر''، حيث تمثّلت الهدية في قلم وكتاب يضم مقالات الراحل عمر أورتيلان بعنوان ''أيها السلم تجلى''. - تزامن حفل تسليم جائزة عمر أورتيلان الدولية مع حفل عشاء شركة ''بيجو'' الجزائر، ولكن ذلك لم يمنع المديران مارك بارجيريتي الحالي والسابق للشركة بيار فوري من الحضور لدقائق وتبادل أطراف الحديث مع مدير نشر جريدة ''الخبر'' الشريف رزقي.