غادر الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك، نور الدين شرواطي، منصبه في اليوم الذي تصدرت فيه صورته الصحف الجزائرية، التي قال فيها إن تنحيته إشاعة، مصدرها مجهول وأغراضها توقيف تطهير الشركة. ولا شك أن هذا المسؤول السامي سيقول، هذه الأيام، بعد تنحيته، للذين سيزورونه في بيته ''إنني خدمت الدولة الجزائرية طوال حياتي، لتشكرني في الأخير بالتنحية من منصبي بتلك الطريقة المخزية. إنني ضحية اللؤم''. وهو ما يقوله كل الإطارات الذين تخلى عنهم النظام الذي خدموه، أو الذين تشبثوا بمناصبهم رغم إنذارهم بأن عاصفة تقترب منهم. ولا أحد يذكر المنافع التي استفاد منها قبل شكره، أو المصائب التي تسبب فيها عندما كان يحكم. وبهذا القرار ''المفاجئ'' بالنسبة لنور الدين شرواطي وحده، يكرس ''أصحاب القرار'' مجددا ''تقليدا جزائريا راسخا''، وهو ''الشكر على المساهمة'' بطريقة لا تحبس أنفاس المشكور، من قساوتها عليه. وهو التقليد الذي يتقنونه ويتفننون فيه، عندما يريدون إنهاء مهام خدمهم لا يترددون في إخراجه من الباب الضيق. والأمثلة كثيرة جدا في هذا المقام، وفي كل المؤسسات والهيئات والإدارات. وفي الحالات التي يريد فيها أصحاب القرار أن يحنوا على ''المطرودين'' يعلنون أنهم ''نقلوا إلى مهام أخرى''. لا يوجد كثير من الذين خدموا النظام، في الجزائر، ممن لم يتعرضوا لما يعتبرونه ''لؤما''، حيث أن عددا قليلا جدا من المسيرين السامين الجزائريين ''تشجعوا'' وقدموا استقالاتهم لأنهم اقتنعوا بأنه لا يمكن أن يعملوا مع ''الفريق الحاكم''. ليس المقام هنا للدفاع عن نور الدين شرواطي، الذي لم يخف مسؤوله المباشر، يوسف يوسفي، أنه ليس الشخص الذي يريده على رأس سوناطراك، ويعرف الجميع أنه أدى الأدوار الثانوية التي كلفه بها شكيب خليل طوال فترة ''حكمه المطلق'' على قطاع الطاقة والمحروقات والمناجم وسوناطراك، ولم ينزعج. وإذا كان، من صار اليوم الرئيس المدير العام السابق لمجموعة سوناطراك، شرع فعلا في تطهير الشركة وأزعج بذلك أطرافا، كما نقلت عنه الصحافة نهار أمس، فإن المنطق يقول إن الذين ''شكروه'' يريدون أن تعود الشركة إلى سابق عهدها. وإذا سايرنا هذا المنطق أكثر فإن رئيس الجمهورية الذي يعين وينهي مهام مثل هذا المسؤول ومعه وزير الطاقة وغيرهما لا يريدون لسوناطراك أن تستعيد مكانتها. وبالتالي، فإن من واجب شرواطي ألا يخفي على الجزائريين والجزائريات ما يعرفه حول ''المؤامرة'' التي تحدث عنها ونقلتها وسائل الإعلام الجزائرية والعالمية أمس. لكن الجزائريين يعرفون أنه لن يقول أي شيء، والأكيد أنه لن يخبر حتى أبناءه، لأن المنصب الذي بلغه هو، وغيره من المناصب المماثلة والأخرى الأقل شأنا، يبلغها الطامحون إليها في الجزائر من ''النوافذ''، وعليه لا يجيز الذين مكنوهم من التسلق لأنفسهم أن يخرجوهم من أبواب عريضة. وكم خرج قبله من وزراء، ولاة، سفراء، مديرين وغيرهم من مثل الباب الضيق الذي غادر منه شرواطي سوناطراك.