الفرنسيون يرفضون كتابة تاريخ مشترك مع الجزائريين عكس ما فعلوا مع الألمان صرح المؤرخ الفرنسي جيلبير مينييه بأن كتابة تاريخ الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر مازال يخضع لضغوط تفرضها لوبيهات رسمية للذاكرة. وقال إن المؤرخين الذين شاركوا في ملتقى دولي عقد بمدينة ليون الفرنسية في جوان ,2006 للتعبير عن امتعاضهم من قانون 23 فيفري الممجد للاستعمار، والمقربة من حزب جان ماري لوبان، تعرضوا لضغوط من قبل جمعيات الأقدام السوداء الذين اتهمتهم ''بالولاء لجبهة التحرير الوطني''. وكشف جيلبير مينييه، أمس خلال ندوة عقدها بمكتبة الفنون الجميلة في الجزائر العاصمة، رفقة الأستاذة خولة طالب الإبراهيمي، لتقديم كتاب ''من أجل تاريخ فرنسي-جزائري''، الذي ضم أشغال ملتقى مدينة ليون سنة ,2006 وصدر بالجزائر هذا الأسبوع عن منشورات ''ايناس''، باللغتين العربية والفرنسية، أن أرشيف العقيد عميروش الخاص بالولاية الثالثة موجود في ''فانسن'' بفرنسا، وهو في متناول الباحثين والمؤرخين. وأضاف مينييه الذي اطلع على هذا الأرشيف، أن العقيد عميروش أخذ معه كل الوثائق المتعلقة بالولاية الثالثة لما كان متوجها إلى تونس في مارس ,1958 فوقع في يد الجيش الفرنسي بعد تمكنه من القضاء عليه رفقة العقيد سي الحواس قائد الولاية السادسة. وتساءل مينييه ''لماذا لا يطالب الجزائريون بهذا الأرشيف، علما أنه في متناول الباحثين الفرنسيين والجزائريين على حد سواء''. وأورد ذات المتحدث أن ملتقى مدينة ليون الذي صدرت أعماله في الكتاب المذكور، جاء كرد فعل عن قانون تمجيد الاستعمار الصادر بفرنسا يوم 23 فيفري .2005 مؤكدا أن نشر الكتاب يعتبر بمثابة تكريم للمؤرخين الفرنسيين ''الذين تجندوا ضد قانون 23 فيفري الذي أراد أن يعيد الاعتبار للاستعمار، فأجبروا حكومتهم على إلغاء بنوده المشينة''. واندرج عمل هؤلاء المؤرخين -حسب مينييه- ضمن محاولة تقديم تاريخ موضوعي ينأى عن المحاولات التي تقوم بها ما أسماها لوبيات الذاكرة في فرنسا، التي لا تريد تاريخا موضوعيا يقوم به المؤرخون، بل تاريخ خاضع للأهواء والذاتية. وكشف بالمناسبة أن الدولتين الفرنسية والجزائرية رفضتا المساهمة في تمويل مثل هذه الملتقيات العلمية التي تسعى لتقريب وجهات النظر الجزائرية-الفرنسية بخصوص الذاكرة، رغم المراسلات العديدة التي وجهت للحكومتين. معتبرا أن المبادرة جاءت أسوة بالعمل الذي قام به المؤرخون الفرنسيون ونظراؤهم الألمان لوضع حد للعلاقات المتوترة بين الشعبين عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. موضحا أن هؤلاء المؤرخين أصدروا كتابا مشتركا بعنوان ''التاريخ''. وقال مينييه ''أعتقد بأن الفرنسيين ليسوا مستعدين لمثل هذه المبادرات''. ويعتقد مينييه بأن ''تاريخ الجزائر المستعمرة تتخلله مقاربات خاضعة للشغف والمرارة والحقد والضغينة والإيهام والمغالطة''. مضيفا ''ينبغي إذن تجنب كل هذه المعيقات والنظر في هذا الماضي الفرنسي الجزائري بكل موضوعية''. وبحسب مينييه، فإن الهدوء الذي يتحلى به عمل المؤرخين قد فرض نفسه بعد مرور خمسين عاما على استقلال الجزائر.. لكن هذا الهدوء لم يمنعه من تقديم الملاحظة التالية ''لكننا لم نقم حسابا للظروف القاسية التي تمتزج بالأحقاد التي تلعب على الماضي. هناك من الماضي ما لا يستطيع أن يمضي. لا يمضي لأن بعض اللوبيات المتعلقة بالذاكرة ظلت توقظ النار بكيفية خبيثة. أما الحكومتان فلم تتدخلا بقوة وصرامة سواء للتوضيح أو التهدئة. فإذا كان سفير فرنسابالجزائر قد تحدث في سطيف بكلمات صائبة عن مأساة الشمال القسنطيني في الثامن ماي ,1945 فإن نواب الأمة تمخضوا بقانون 23 فيفري، حيث إن بنده الرابع ينص على أن المناهج المدرسية تعترف على وجه الخصوص بالدور الإيجابي للوجود الفرنسي في ما وراء البحار، وخاصة في شمال إفريقيا''. ويعتقد مينييه في المقدمة التي خصها لهذا الكتاب الذي ترجمته للغة العربية الأستاذة خولة طالب الإبراهيمي، بأن مثل هذه التعليمات السياسية هي التي تمنح الشرعية للوبيات الذاكرة التي مازالت تحن للاستعمار.