في العام 1991 فوجئت في بهو فندق ''سوفيتيل'' بالمدينة المنورة بالأسطورة محمد علي كلاي، فاقتربت منه وحييته، وقلت له ''أنا جزائري'' فابتسم، وحرّك شفتيه، وكأني به يريد أن يحييني بأحسن مما حييته.. ثم طلبت منه أخذ صورة للذكرى، فجذبني إليه، وقام بحركة رياضية وكأنه على الحلبة، وانتبه إلى أنّنا في مواجهة الضوء مما قد يفسد الصورة، فأعاد تغيير الموقع أمام نظرات زوجته بيليندا وأحد مرافقيه، وهو ملاكم أمريكي مسلم.. كان محمد علي يقول ''لو فكرت حتى ولو في الأحلام أنك تضربني، فعليك أن تستيقظ من حلمك وتعتذر لي..'' لكنني وجدت نفسي أمام رجل هزم أمريكا لكنه لم يهزم مرض الرجّاف (الباركنسون). كانت أمنيتي أن أحاور الرجل الأشهر في العالم، غير أن ذلك كان مستحيلا، فاكتفيت بصورة ما زلت أحتفظ بها، وبحكمة قالها ''إذا أردتَ أن تطير.. طرْ مثل الفراشة، وإذا أردتَ أن تلسع، السعْ مثل النحلة''.. وفي موسم حجّ 2006 لم يكن سهلا عليّ مجاراة البطل العالمي والأولمبي نورالدين مرسلي الذي كان يتنقل، مع اللاعب الدولي السابق عبد الحميد صالحي، بين مكة ومنى وعرفات ومزدلفة، وكأنه يجري تدريبات روتينية، بينما كان أمثالي يبحثون عن وسيلة نقل تخفف عنهم عبء المسافة.. أمّا في موسم حج 2011 فإنّ الأمر مختلف بالنّسبة لي، إذ أنني أردت مجاراة بعض الرياضيين، فلم يكن ذلك سهلا، لأنني في نهاية المطاف وجدت أمامي عواجيز يحثون الخطى لبلوغ مشعر مِنَى قبل حافلات التي تسير بعضها كسلحفاة، فيصل في صباح اليوم الموالي بعد أن يقضي 14 ساعة لقطع مسافة 14 كيلومترا.. والذي يكتب في الرياضة ليس شرطا أن يكون شاطرا في المشي أو الجري.. في مخيم الحجاج الجزائريين بعرفات، التقيت ببعض نجوم فريق جبهة التحرير الوطني الذين تكفّل بهم السيد رئيس الجمهورية، وهم رشيد مخلوفي، عمار رواي، سعيد عمارة، محمد سوكان. كانوا يجلسون في كراس متحرّكة، في اتجاه القبلة، يدعون الله في هذا اليوم المبارك. فسلّمت عليهم وتركتهم غارقين في تأملاتهم الإيمانية.. وأذكر أنني كنت في المسجد النبوي بالمدينة المنوّرة وقت العصر، فمرّت بجانبي مجموعة من المصلّين، الحجاج، بلباس رياضي، بدا لي من ملامحهم، ومن بعض الإصابات في وجوههم، أنهم ملاكمون، فقلت في نفسي لن يكون هؤلاء سوى بعض من شارك في بطولة العالم للملاكمة التي احتضنتها باكو (أذربيجان) في سبتمبر وأكتوبر .2011 وغير بعيد عن الحرم المكّي رأيت برج مراقبة جزائري يتجه نحو إقامة الحجاج القريب من البعثة الجزائريةبمكة، ولم يكن البرج سوى لاعب كرة السلة في الستينيات والسبعينيات الطيب زناتي، الذي جاوز بقامته المترين وزيادة.. رجل هادئ وبسيط جدّا، يمكن أن يُرى من مسافة بعيدة لقامته الفارعة، مثلما يُرى برج زمزم الذي يطل بساعته على الكعبة المشرفة من مسافة أربعين كيلومترا.. كثير من الناس لا يعرفون زناتي، لكنّه كان في فترة من مسيرة السّلة الجزائرية أحد أبطالها، إلى جانب بركة ونافعي وسليماني وجعجع.. وكان رمزا لفريق الدرك الوطني القوي آنذاك. وأذكر أنني في اليوم الثالث من الرجم، التقيت نجم الكرة المصري ومعد برنامج رياضي بقناة دريم، طاهر أبو زيد، وكان يتهيّأ لرجم الشيطان، فسلمت عليه، وتبادلنا حديثا ودّيّا قصيرا، ثم مشيت لأتركه يسدد رمياته التي لن تخلف.. الشيطان. ولا أعرف كيف تبادر إلى ذهني في تلك اللحظة رشق حافلة المنتخب الجزائري منذ عامين في القاهرة. وددت أن آخذ صورة للذكرى بعد أن أنهيت عملية الرجم، فمرّ بي شاب تبيّن من لهجته أنّه مصري، علّق ضاحكا ''يا اخواننا.. فيه واحد ياخذ صورة مع الشيطان''.. فأفسد عليّ ذلك.. هذه بعض المشاهد الرياضية التي عشتها في رحلة الحج، لكنّ الذي شدّني بصورة غريبة هو أنني شاهدت في صحن الحرم، ميسي وتشافي وإنييستا ورونالدو وديكو ورونالدينيو وزياية، كانوا يطوفون حول الكعبة، وكذا في السعي بين الصفا والمروة. إنهم شباب سعوديون يرتدون أقمصة هؤلاء النجوم، ويقوم أغلبهم بدفع الكراسي المتحركة بالحجاج العاجزين عن الحركة مقابل مائة ريال أو أكثر.. وأغلبهم من مناصري برشلونة والريال وبعض أندية الدوري السعودي.. وأكثر ما شدّني هو أصحاب الدراجات النارية الذين يقومون بنقل الحجاج بين مكة ومنى بسرعة فائقة. بل إنّهم يمتلكون مهارات خارقة، فيتفادون زحمة الحجاج والسيارات بطرق عجيبة، دون أن يرتكبوا أخطاء أو يعرّضون مرافقيهم للخطر، رغم أنّ ما يقومون به.. الخطر بعينه. وأثناء العودة إلى الجزائر في مطار الحجاج بجدة، التقيت نجم الكرة الجزائرية صالح عصّاد مع بعض أصدقائه، وتحدّثنا عن بعض ما واجهناه من متاعب وطرائف أثناء أداء المناسك.. وذلك هو ملح رحلة الحج.