تظهر عمليات خطف الرعايا الغربيين المتتالية في الساحل، عزم تنظيم القاعدة على تعزيز قدراته المالية بالفدية، متحديا بذلك اللائحة 1904 المتعلقة بتجريم دفع الفدية، وواضعا الأممالمتحدة أمام المحك. فالخاطفون يعلمون جيدا بأن حكومات غربية معينة تقدم المال لشراء رهائنها. والجزائر التي تعتبر نفسها أكبر متضرر من نشاط الفدية، تعي أيضا هذه الحقيقة. تطرح حادثة اختطاف الأوروبيين الأربعة في مالي، بحدة، مدى قدرة ما يعرف ب''دول الميدان'' والقوى الغربية التي تسندها أمنيا وعسكريا، على الحد من قوة ''القاعدة'' وروافدها بالمنطقة بخصوص خطف الرعايا الغربيين، والضغط على حكوماتهم بغرض الحصول على الملايين من العملة الأوروبية الموحدة. فالجزائر وشركاؤها مالي والنيجر وموريتانيا، تقف عاجزة أمام أعمال الخطف التي يمارسها الجهاديون الخاطفون، الذين يظهرون تحديا كبيرا عندما يتوغلون داخل ورشات ''أريفا'' الفرنسية بالنيجر لخطف الفنيين، ويدخلون إلى وسط تومبوكتو المعروفة بكونها معقل أتباع أبي زيد، لخطف سياح غربيين. ويبلغ التحدي أقصاه، إذا أخذنا في الحسبان الأخبار التي تفيد بأن الفرنسيين اللذين اختطفا يوم الجمعة، يعملان لصالح المخابرات الفرنسية. وتواجه الجزائر وبلدان الساحل، منذ زمن قصير، مخاطر مزدوجة في مسألة الشرايين المالية للإرهاب التي تعزز قدرات التنظيم المسلح. الأول حصول المسلحين الإسلاميين بصفة مباشرة على السلاح الليبي، دونما حاجة إلى السعي لشرائه من حركات التمرد ومن الضباط المرتشين بالجيوش النظامية في الساحل. والثاني امتلاك قدرات مالية إضافية، بفضل ارتفاع عدد الرهائن، تمكّن الإرهابيين من تقوية علاقاتهم مع عصابات التهريب، ومن شراء ذمم حتى المسؤولين بحكومات في الساحل. ومعروف، في هذا الشأن بالتحديد، أن الدبلوماسي الكندي روبرت فاولر اتهم صراحة أشخاصا في حكومة النيجر، ببيعه إلى مختار بلمختار الذي اختطفه نهاية 2008 مع مساعده لويس غواي. ومن غير المستبعد أن تمنح أكياس الفدية المنتفخة من يوم لآخر، القدرة للقاعدة على تنظيم عمليات إرهابية استعراضية في أوروبا، عن طريق تنشيط شبكات ''القاعدة'' المتكونة من متعاطفين، لا يخضعون لمراقبة الأجهزة الأمنية والمستعدين في أي لحظة لزرع الموت. والمثير في قضية الفدية، أن بلدان أوروبا التي تدفع الفدية قد تكون أول المتضررين من تمويلها غير المباشر للإرهاب. فإسبانيا دفعت فدية في قصة خطف الناشطين في المجال الإنساني العام الماضي. وقبلها دفعت ألمانيا والنمسا وسويسرا وهولندا نظير استعادة رهائنها من عماري صايفي في .2003 وفرنسا خضعت لابتزاز أبي زيد، فضغطت على باماكو لإطلاق سراح أربعة جهاديين معتقلين، مقابل الإفراج عن الرهينة بيار كامات في .2009 ولا يستبعد أنها استرجعته بفدية. ورغم تورط هذه الحكومات في تمويل الإرهاب، لا تجد الجزائر و''دول الميدان'' والأممالمتحدة، حرجا في الحديث عن شراكة معها لضرب الإرهاب. وبذلك فالجميع يكرس واقعا جديدا بالمنطقة، هو أن الجميع متواطئون مع ''القاعدة'' بوعي أو دون قصد.