لا يعرف أحد ربما المفهوم الذي يعطيه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للإصلاح السياسي. هل هو مجرد مراجعة قوانين، بعضها مؤجل التطبيق ومستنسخ من نصوص قديمة، يعني إصلاح منظومة الحكم وأدوات تسيير الشأن العام ؟ هل يمكن تجاهل أن الأصل في أي تعديل للقوانين ذات الصلة بحريات المواطنين، هو تعزيز هذه الحريات وإزالة كل ما يمنع ممارستها؟ هل التعديلات التي أدخلت على قوانين الإعلام والأحزاب والانتخابات تنطوي على هذا المفهوم؟ لا أحد بإمكانه إعطاء إجابة عن هذه الاستفسارات، لأن النقاش العام حول الوعود بالإصلاح هو الغائب الكبير في القضية، التي لا تزال غامضة في أهدافها، ومع ذلك تثير جدلا، بين من يدعمها ''من حيث المبدأ''، ومن يرفضها ''لأنها جافة ويغلب عليها الطابع الإداري''. محدودية مشاريع الإصلاحات من حيث الانفتاح والحريات الجزائر لا تريد الخروج من المرحلة الانتقالية بعد مصادقة المجلس الشعبي الوطني على ''حزمة'' قوانين الإصلاحات ال 6 التي بادر بها رئيس الجمهورية، لم يبق هناك أي أسرار حول مضمونها، باستثناء ''سر'' التعديل الدستوري المقبل، وهو ما يعني أن الجزائر التي سبقت ''الثورات العربية''، بما عرف بانتفاضة 5 أكتوبر 88، لم تأت إصلاحاتها بأفضل من غيرها، إن لم تكن تأخرت كثيرا في سباق التغيير. لم يعد هناك ''شيء إضافي'' من الديمقراطية في يد السلطة تفتخر به، مقارنة بما لم يكن موجودا حتى إلى وقت قريب لدى دول الجوار التي خطت خطوات كبيرة في ظرف قياسي، في مجال الحريات والديمقراطية. وبعد مرور مشاريع قوانين الإصلاح ال 6 بالصيغة التي أرادتها السلطة، تكون الجزائر قد ضيعت محطة أخرى لتحقيق ''السبق'' على الآخرين، لتجد نفسها في ذيل الترتيب حتى مع دول المغرب العربي. لقد تحقق في المغرب التداول على السلطة، ونجحت موريتانيا في فتح السمعي البصري ومنح الاعتمادات للتلفزيونات الجديدة، وحققت تونس في ظرف عام فقط، ما لم تفعله السلطة في الجزائر طيلة 22 سنة من التعددية وبرامج الإصلاح السياسي، وهو أمر لا تفسير له سوى أن السلطة في الجزائر لا تريد الخروج من المرحلة الانتقالية الممتدة من ثمانينيات القرن الماضي. إن قوانين الانتخابات والأحزاب وتمثيل المرأة وحالات التنافي للعهدة البرلمانية، بالإضافة إلى الإعلام والجمعيات، وصفت من طرف ليس المعارضة فحسب، بل حتى من طرف حركة حمس المشاركة في الحكومة، بأنها ''لم ترق إلى الطموحات''، وهي مجرد ''قوقعة فارغة''. وهو مؤشر على أن ما قدم من مشاريع لتأطير المرحلة ما بعد ,2012 كان سيكون صالحا للسنوات الماضية، وليس للمستقبل التي وقعت فيه ثورات عربية وارتفع فيه سقف المطالب الشعبية في مجال الحقوق والحريات حدودا عالية جدا، بالنظر إلى التطور التكنولوجي في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة وتسريبات ''ويكيلكس''. ويكون عدم ''تفاعل'' المواطنين، وحتى الشارع، مع قوانين الإصلاحات المذكورة، مؤشر على أن ما قدمته السلطة من ''تنازلات''، بعد ضغوط داخلية وخارجية، ليس سوى عملية تجميلية ''ليفتينغ''، ولا تحمل أي تغييرات جوهرية في مجال حرية التعبير والتجمع والتنظيم وشفافية الانتخابات، ومع ذلك دافع رئيس الجمهورية على هذه الإصلاحات، وقال إنها تمت بالتشاور، رغم أن أغلبية الطبقة السياسية والحزبية بما فيها المشاركة في الحكومة، رفضتها ووصفتها بشتى النعوت، ما عدا أنها إصلاحات حقيقية. ستة قوانين رفضتها المعارضة وزكاها الأفالان والأرندي البرلمان مارس المقص والرئيس صفع أحزابا دعمته في التعديل الدستوري 2008 فشلت أحزاب المعارضة في اعتراض طريق قوانين الإصلاحات الستة. ونجحت السلطة بأجهزتها الحزبية في تمرير القوانين بالصيغة التي تريدها، عبر برلمان تميز بممارسة الرقابة على تعديلات نواب المعارضة، ورفض ما يقارب ال500 تعديل، بدلا من ممارسة الرقابة على الحكومة ونصوص المشاريع الستة المقترحة. لم تكن مؤسسات السلطة الظاهرة والمتخفية التي تدير شؤون الدولة بحاجة إلى أكثر من جهازين، هما جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي لتمرير قوانين الإصلاحات السياسية، حيث زكى نواب الحزبين نصوص القوانين ودافعوا عنها باستماتة كبيرة، واستعداء قوي لنواب المعارضة، تجاوز أحيانا حدود اللباقة، وبلغ حد ''الشتيمة''، واستعاروا من ثورات الربيع العربي يافطة ''ارحل''، ووجهوها إلى نواب المعارضة بدلا من السلطة والحكومة. وبدا واضحا أن السلطة استفادت في تمرير قوانين الإصلاحات من أريحية الملعب والجمهور (البرلمان والأغلبية البرلمانية)، ومن اندفاع نواب الأرندي والأفالان للدفاع عن الإصلاحات، أملا في الحصول على وضع متقدم في قوائم التشريعيات المقبلة، وفي المقابل، من ضعف أحزاب المعارضة وتشتتها بين تلك التي اختارت المعارضة من خارج البرلمان، كالأفافاس والأرسيدي (جمد عمل كتلته منذ أشهر)، وبين الأحزاب التي اختارت أن تعارض في جبهات متفرقة كحمس والعمال والنهضة والأفانا، والتي تأرجحت مواقفها بين البيانات عبر الفايسبوك والفاكس وبين الاستعراض الخطابي في التجمعات، دون اتخاذ أي خطوة تبرز حجم احتجاجها، كالانسحاب من الحكومة بالنسبة لحمس، والانسحاب من البرلمان بالنسبة للعمال والأفانا من البرلمان. وفي الوقت الذي كانت أحزاب المعارضة تعيش على ''حلم وردي'' سوقته الأمينة العامة لحزب العمال، قبل أسابيع، قالت فيه إنها تلقت ضمانات من الرئيس بوتفليقة بإجراء قراءة ثانية للإصلاحات السياسية، وجّه الرئيس بوتفليقة من مدينة الأغواط، حيث كان يفتتح السنة الجامعية، صفعة ساخنة إلى كتلة المعارضة، التي كانت أبرز مطالبها مراجعة القوانين الستة وإنقاذ الإصلاحات، ورسالة سياسية واضحة، مفادها رفضه لمطالب المعارضة ورضاه التام على مسار الإصلاحات، ومما أنجز منها حتى الآن من قوانين، وتمسك بالنهج الحالي في تنفيذ الإصلاحات، دون أن يشير إلى أي رغبة في تطوير نهج الإصلاحات أو تعديل مسارها بالشكل الذي تطالب به المعارضة. المراقبون يعتقدون أن إخفاق القوى السياسية التي أعلنت معارضتها لقوانين الإصلاحات، هو إخفاق ''أخلاقي''، قبل أن يكون سياسي، كونها صوتت في 28 نوفمبر 2008 لتعديل الدستور، وفتح العهدات الرئاسية، ما يعني أنها فقدت مصداقيتها السياسية في ذلك التاريخ إن لم يكن قبله، بما لم يبق لها ورقة للضغط على سلطة تعودت دائما أن تفعل ما تريد، دون أن تستمع إلى معارضة تقول ما تشاء، بحسب قواعد الديمقراطية الفريدة في الجزائر. على النقيض أبو جرة سلطاني ل''الخبر'' ''إصلاحات بوتفليقة إدارية وجافة ولم تستوعب درس جانفي 1102'' اتهم أبو جرة سلطاني، رئيس حركة مجتمع السلم، شريكيه في التحالف الرئاسي ب''العمل على إفراغ مشاريع الإصلاح السياسي من محتوياتها بتعويمها وتسطيحها وتسقيفها وتحزيبها''. ووصف إصلاحات الرئيس بوتفليقة ب''الإدارية الجافة''. ذكر سلطاني، في حوار قصير مع ''الخبر''، حول تذبذب موقف الحركة من الإصلاحات، بين الترحيب في البداية ثم التحفظ والرفض في النهاية، أن حزبه رفع مذكرة شاملة إلى هيئة المشاورات التي قادها عبد القادر بن صالح، ''تضمنت رؤيتنا للإصلاحات مشفوعة بستة ملاحق، تضمنت أساسيات مشاريع القوانين المنظِّمة للحياة السياسية، جوهرها الدعوة إلى الانفتاح، وتكريس المزيد من الحريات، وإقرار مبدأ الفصل بين السلطات، وضمان شفافية الاقتراع الانتخابي، وسواها''. ويقول سلطاني إن حمس ''كانت تعتقد بأن الحزمة الأولى من مشاريع الإصلاحات سوف تثرى إيجابيا وتوسع وتعمق، بعد ظهورها في طبعتها الرسمية''. لكن ذلك لم يتحقق، حسبه، بسبب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، المتهمان بالوقوف حائلا دون تعديل مشاريع القوانين، ما يعني، في نظر حمس، منع كل المقترحات التي تطالب بحريات أوسع، وبممارسة ديمقراطية أكثر تجذيرا، وبرفع سيطرة الإدارة على النشاط السياسي والجمعوي. وأوضح سلطاني بخصوص المآخذ على الأفالان والأرندي ''أمام هذا الوضع امتنعنا عن التصويت على الحزمة الأولى، لنوصل رسالة مفادها أن الحركة غير راضية على هذا المستوى المتدني من الإصلاحات، فلما تمادت الأغلبية في بسط نفوذها قررنا التصويت ضد كل المشاريع اللاحقة، ورفضها جملة وتفصيلا لأنها تحولت عن مسارها''. ويفهم من حدة اتهامات سلطاني ضد شريكيه، بأن الخيط الرفيع الذي كان يربط التكتل الثلاثي حول برنامج ''صاحب الفخامة''، تقطّع ولم يعد هناك ما يدعو إلى استمرار التحالف، غير الموجود أصلا في الميدان، والذي فشل في أهم أهدافه، وهو إحداث تنسيق بين الكتل البرلمانية للأحزاب الثلاثة. وينتقد رئيس الحركة بشدة إصلاحات الرئيس بوتفليقة، فيصفها ب''الإدارية وليست سياسية، لأنها لم تراع واقع التحولات التي تمر بها المنطقة العربية، ولم تضع في الحسبان رفع حالة الطوارئ، ونجاح مسعى المصالحة الوطنية، ولم تستوعب دروس وأحداث 04 جانفي .2011 وتمت المعالجة الاجتماعية لهذه التوترات، دون أن تستصحب معها هذه المستجدات المانعة الواقية من تكرار التوترات الاجتماعية، والتحوط لها سياسيا، لذلك انتقدنا منهجية الإصلاحات، ونادينا بضرورة البدء بمراجعة الدستور لإنهاء المراحل الانتقالية، ورسم صورة المستقبل السياسي لجزائر ما بعد 50 سنة من الاستقلال''. وأضاف سلطاني ''نلاحظ بأسف أن الأنانيات السياسية مازالت مصممة على وضع العربة أمام الحصان، مما سوف يدخل الجزائر في مرحلة انتقالية أخرى بعد مراجعة الدستور، لأن قوانين الإصلاحات الجارية جافة، ولا أثر لها على الواقع الإجتماعي، وسوف تتناقض مع روح الدستور''. عماد جعفري رئيس كتلة الأحرار البرلمانية ل''الخبر'' ''دعمنا لمشاريع الإصلاح السياسي لا يعني أننا في صف السلطة'' يجزم رئيس كتلة الأحرار بالمجلس الشعبي الوطني، عماد جعفري، أن نواب كتلته مستقلون فعلا في آرائهم، رغم دعمهم للمشاريع الحكومية، ومنها نصوص الإصلاحات. وأوضح في رد على أسئلة ل''الخبر'' أن النواب صوتوا على المشاريع عن ''قناعة إيمانا منهم أن عجلة الإصلاحات يجب ألا تتوقف مهما كانت النقائص المسجلة في هذه النصوص''. وأحالنا جعفري على ما جاء في تدخل الكتلة النيابية للحزب ''بأن رفض الإصلاحات يعد إعلانا للمكابرة واحتقارا لإرادة وأفاق الشعب الجزائري. وأشار إلى أن الإصلاحات الجديدة من إنتاج جزائري وليست وليدة إملاءات خارجية، إلى جانب أنها قدمت وطرحت ونوقشت في ظل الشفافية التامة''. وأوضح ''دعمنا لهذه النصوص ليس دعما للسلطة بقدر ما هو دعم لأي مشروع يهدف إلى إصلاح البلاد وأهلها''. وامتدح محدثنا النصوص الجديدة، ومنها مشروعي قانوني الأحزاب والانتخابات، ''فهذا الأخير مثلا رفع القيود على ترشح الأحرار، ويضمن المساواة والحق في الترشح، ويكفل الاختيار الحر للبرامج من جهة أخرى، وهذا ما يتطلع إليه الشعب الجزائري لضمان إرادته في التعبير عن حق من حقوقه بطرق حضارية راقية ومشاركة كل الكفاءات''. ويبرر جعفري المواقف المتخذة من النواب المستقلين بالقول ''لو صوتنا ضد المشاريع لا تهمنا أننا مع المعارضة، ولسنا كذلك، لكننا صوتنا في وقت سابق ضد مشاريع حكومية أخرى''. وأضاف ''ليس محتم علينا أن نقتنع بآراء مغايرة تصب دائما في زوايا ضيقة لا ترقى لخدمة المجتمع، ولا تهدف إلا لتضليل الرأي العام وتزييف الحقائق والنوايا الصادقة لخدمة أغراض سياسية ضيقة لا تخدم مصالح الوطن والمواطن''. ويستدرك قائلا ''دعم هذه القوانين لا يعني أنها كاملة، لكن يجب عدم التوقف عند هذه النقطة، ويجب المضي، ومن الممكن مراجعتها لاحقا، ولكن الأهم في المرحة الحالية عدم التوقف والتقدم إلى الأمام''. وحسب تحليله، فإن المنتخبين الأحرار أو المستقلين يبقون قوة مؤثرة، وستكون لهم كلمتهم في المواعيد المقبلة، في إشارة إلى استمرار تبوئهم موقعا مهما في المجالس المنتخبة الوطنية والمحلية. وحصد المنتخبون الأحرار في تشريعيات ماي 2007 نتيجة مهمة، حيث حازوا على 33 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني (562 ألف صوت)، كما انتزعوا في الانتخابات المحلية 542 مقعدا، لكن أغلبهم التحقوا بأحزاب أخرى.