لم تنزل الثورة الليبية بردا وسلاما على الشعب الصحراوي، فرغم أن العديد من شباب الصحراء الغربية في مخيمات اللاجئين وفي الأراضي المحررة الذين التقيناهم، يعتبرون أن الشعب الصحراوي كان سباقا للثورة من أجل التحرير، في إشارة إلى انتفاضة العيون في 2010، إلا أن ترويج جهات مجهولة لتجنيد العقيد القذافي لمرتزقة صحراويين جعل هؤلاء، مستهدفين من طرف الثوار الليبيين. في هذا الشأن، روت لنا القاطفة (21 سنة) مأساتها بسبب الأزمة الليبية وقالت ''درست 8 سنوات في ليبيا من المتوسط إلى السنة الأولى جامعي وعندما اندلعت الاحتجاجات هربت مع 3000 صحراوي من ليبيا في شهر مارس عبر طائرة وباخرة جزائريتين خصصتا لنقل الجالية الجزائرية من ليبيا''، وأضافت أنها ''هربت من جحيم الحرب في ليبيا مع 160 طالب جامعي صحراوي عبر طائرة إلى الجزائر بعدما أغلقت عليهم أبواب الإقامة الجامعية في مدينة مصراتة (190 كلم شرق طرابلس) خوفا عليهم من اعتداءات الساخطين على العقيد القذافي، ''خاصة بعدما انتشرت إشاعة مفادها أن مرتزقة صحراويين يقاتلون إلى جانب كتائب القذافي''. وتؤكد القاطنة أنه ولا صحراوي قاتل مع القذافي، رغم أنها لا تخفي تعاطفها مع العقيد المقتول. وتضيف متسائلة ''كيف نقاتل مع القذافي ومعركتنا تحرير أرضنا؟''. وتحدثت عن الأيام الأولى لثورة الليبيين على القذافي، وكيف قام أبناء مدينة مصراتة التي كانت تدرس بها بالتظاهر تأييدا للعقيد وفي الغد انقلب كل أبنائها عن بكرة أبيهم ضد الزعيم. ورغم مقتل العقيد فإن القاطفة ترفض أن تنسى أنه استضافها في ليبيا مع آلاف التلاميذ والطلبة الصحراويين وتكفل بتدريسهم وبإطعامهم وبنقلهم، ولكن القاطفة تشير إلى أنها درست في ثانوية عسكرية تابعة لخميس القذافي في مصراتة، استثناء للطالبات الصحراويات وكانت تدرس الآداب، والغريب أنها خضعت لتدريبات شبه عسكرية إجبارية في فترة الثانوية. ومن مدينة مصراتة الليبية عادت القاطفة إلى مخيم 27 فيفري للاجئين الصحراويين في تندوف التي لا تبعد عن الأراضي الصحراوية المحررة إلا ب75 كيلومترا غربا، لكن المفاجأة التي صدمتها أنه لم يعد بإمكانها مواصلة دراستها الجامعية في الجزائر، بعدما تركت كل شيء وراءها والآن لا تملك أي وثائق لإعادة التسجيل في أي جامعة. شاب صحراوي عاش في أوروبا وأمريكا ولا يأبى إلا العودة للمخيمات أما سيد أحمد (29 سنة) فرغم أنه درس لعدة سنوات في السويد وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسبانيا ويتقن العديد من اللغات كالإسبانية والإنجليزية والسويدية والفرنسية إلى جانب العربية والحسنية وهي لهجة محلية منتشرة في موريتانيا والصحراء الغربية، إلا أنه يصرّ في كل مرة على العودة إلى المخيمات رغم أنه يحمل الجنسية الإسبانية وظروفه تسمح له بالإقامة والعمل في أوروبا. وقال سيد أحمد ل''الخبر'': ''هنا أهلي وبلدي ولا يمكنني أن أتخلى عن القضية الصحراوية''، مضيفا ''بإمكاني أن أعمل وأستقر بسهولة في أمريكا أو أوروبا وأعيش مرتاحا لكن بلدي يحتاجني، والدول المتقدمة لم تتطور بهروب أبنائها إلى الخارج''. وبثقة في النفس قال سيد أحمد الذي يعمل في التشريفات بالبوليزاريو، كما يعمل مترجما للوفود الأجنبية، ''بإمكاني أن أقدم لبلدي أكثر مما لو عملت في أي دولة أجنبية''، وأضاف أنه درس في الخارج حتى يستفيد بلده الذي لم يتحرر بعد، من الخبرة التي اكتسبها في أوروبا وأمريكا. صحراويون يزورن المغرب برعاية أممية ولكن ما لفت انتباهنا وجود صحراويين في مخيمات اللاجئين بتندوف، زاروا المغرب في السنوات الأخيرة رغم أن الطرفين يعيشان حالة (لا حرب ولا سلم)، وأوضح لنا عثمان (سائق) بأن هذه الزيارات تتم تحت إشراف الأممالمتحدة وبعثتها ''المينورصو'' في إطار تبادل الزيارات بين العائلات الصحراوية في مخيمات اللاجئين والأراضي المحتلة، وأكد بأن هناك طائرة أسبوعية تنقل الصحراويين من تندوف إلى مدينة العيونالمحتلة، ومن العيون تنقل عائلات صحراوية إلى مخيمات اللاجئين في تندوف. أما سيد أحمد فيشير إلى أن لديه أقارب في العيونالمحتلة وخالاته يقطن هناك وأنهم لا يتعرضون إلى مضايقات الأمن المغربي في المطار، بالنظر إلى أن الأممالمتحدة هي التي تشرف على هذه العملية في إطار إنساني. ''قبل مجيئي لأول مرة إلى منطقة تيفاريتي بالأراضي الصحراوية المحررة، اطلعت على موقع المدينة فوجدت أنه من الصعب الوصول إليها برّا دون المرور عبر الصحراء الموريتانية، خاصة أنها تقع غير بعيد عن الحدود الموريتانية في أقصى شرق الأراضي المحررة التي تمثل ثلث الأراضي الصحراوية، بينما يحتل المغرب الثلثين الباقيين''، يقول محدثنا. عندما اجتزنا الحدود الجزائرية أكد لي المترجم سيد أحمد أننا الآن في الصحراء الموريتانية وأننا سنقطع ما بين 50 إلى 60 كيلومترا حتى ندخل إلى الأراضي الصحراوية المحررة، لكن هناك مسؤولين صحراويين نفوا ذلك وأوضحوا لنا بأننا لم ندخل الأراضي الموريتانية رغم وجود سبل متعارف عليها تمر عبر الأراضي الموريتانية بشكل طبيعي، فالمنطقة من مخيم اللاجئين في تندوف إلى تيفاريتي على طول 370 كلم كلها قفار ولا توجد بها إلا بعض النباتات الصحراوية الشوكية وأشجار الطالح ذات الأوراق الشوكية والتي لا تنتج أي ثمر، ولكنها في الصيف تنتج نوعا من العلك الكريستالي يستعمله الصحراويون في معالجة أمراض الحساسية الجلدية بخلطه مع الماء والسكر وشربه. ''رالي'' تندوف تيفاريتي وتشترك هذه الصحاري في أنها خالية فلا تكاد ترى فيها أي آثار للحياة باستثناء بعض الحيوانات مثل الإبل والأغنام وطائر بوبشير ذي اللونين الأسود والأبيض، غير أن هذه الصحاري تختلف في طبيعتها بين رملية وحصوية وترابية، ومسالكها جد صعبة إلا أن من إيجابيتها أنها منبسطة على مد البصر وكأنها طريق فسيح تسير عليه سيارات الدفع الرباعي وتتسابق فيما بينها كرالي باريس داكار، إلا أن هذه السبل غير معبدة ما تسبب لنا في الكثير من الهزات العنيفة والمزعجة، وكادت سحب الغبار التي تخلفها السيارات من ورائها أن تؤدي إلى حادث سير بسبب ضعف الرؤية، ونظرا لوعورة الطريق فقد تعرضت عدة سيارات للعطب، ما تطلب تغيير عجلاتها لذلك فأخذ الاحتياطات واجب في هذه الصحراء. وعلى طول 370 كيلومتر لم نشاهد إلا عددا قليلا من السيارات المارة في الاتجاه المعاكس ولكن كان هناك الكثير من العجلات المعطوبة مرمية في الصحراء وحتى بعض هياكل السيارات والشاحنات. ورغم أن الجمال تلقب بسفن الصحراء، إلا أننا وجدنا جثة جمل ميت خلال تجولنا في إحدى المناطق الجميلة أثناء استراحة خفيفة في منتصف الطريق، وقيل لنا أن الجفاف في العام الماضي أدى إلى نفوق بعض الجمال، ما يعكس حجم المعاناة والتحديات التي تواجه السكان في هذه المناطق المحررة، إلا أننا لم نشاهد صراحة أي تجمع سكاني في الطريق باستثناء إبل وقطعان غنم تدل على وجود بدو رحل في هذه المناطق، إلى درجة أن أحد الصحراويين أكد لنا أن رعاة موريتانيين يرعون في الأراضي المحررة جنوبا دون أن يمنعهم أحد. وعلمنا فيما بعد أن الأراضي المحررة باعتبارها في حالة نزاع، فإنها مناطق عسكرية مقسمة إلى 7 نواحٍ عسكرية، وهو ما يفسر أن أغلب العائلات الصحراوية متواجدة في المخيمات بتندوف، غير أن السياسة الجديدة لجبهة البوليزاريو، منذ مؤتمرها الثالث، تبنت سياسة إعادة إعمار المناطق المحررة، حيث وجدنا أن منطقة تيفاريتي المحررة التي سبق للقوات المغربية أن سوتها بالأرض خلال الحرب، تم إعادة بنائها جزئيا، فهناك مستشفى وسكنات ومحل تجاري، ورغم بساطة تيفاريتي فلا أعتقد أنني رأيت في حياتي منظرا أجمل للقمر مثلما هو في تيفاريتي، كان قريبا جدا من الأفق إلى درجة أنني حسبته أول مرة أشبه بمصباح كبير يتدلى من عمود غير مرئي، ورغم أنه لم يكن مكتملا إلا أنه كان يضيء تلك الليالي المظلمة في تلك الصحراء، فلم تكن هناك خطوط كهرباء ولكن هناك مولد للكهرباء سمح بإضاءة المنطقة التي تأسرك بهدوئها الخالد رغم بساطتها وقلة مياهها، إلا أنها تتمتع بجو معتدل ومنعش وبلا رطوبة وكأنك لست في صحراء مقفرة.