لم ترفع نتائج الانتخابات في دول جوار الجزائر معنويات حركة مجتمع السلم والنهضة والإصلاح، وتلك غير المعتمدة لمناصرة وعبد الله جاب الله، بل جعلتهم يلوحون ببيع فوز التشريعيات المقبلة قبل الظفر بها، وهو ما دفع السلطة وأحزابها إلى المسارعة لتقليم أظافر سلطاني ومن معه، بتصريحات تستبعد أي إمكانية لتكرار سيناريوهات إخوان تونس أو مصر أو المغرب، على اعتبار أن الجزائر عاشت كل ذلك ''الفيلم'' في التسعينيات، وهي فترة مرت وطويت، مثلما لمح إليه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطابه الأخير بمناسبة افتتاح السنة القضائية. ولكن بين النوايا والتمنيات لهذه الجهة أو تلك، فتحت هذه التصريحات والتصريحات المضادة حراكا سياسيا واجتماعيا بإمكانه كسر هاجس المقاطعة ورفع نسب المشاركة، بعد رتابة قتلت الحياة السياسية وكلست الخريطة الحزبية، وجعلت المواعيد الانتخابية دون رهانات حقيقية. الخطاب الرسمي متمسك بأن الجزائر جربت الثورة في 88 السلطة تستبعد نهائيا اكتساح الإسلاميين البرلمان القادم رمى فوز الحركات الإسلامية في الانتخابات التونسية والمغربية والمصرية بظلاله على الساحة السياسية الوطنية، بالشكل الذي دفع السلطة، والأحزاب المساندة لها، إلى السعي لجعل التجربة الانتخابية الجزائرية بمنأى عن سقوط أحجار ''الدومينو'' التي حدثت في دول الجوار. اغتنم رئيس الجمهورية فرصة افتتاحه للسنة القضائية للرد على المتسائلين عن سبب استثناء الجزائر من عاصفة التغيير التي اجتاحت بلدانا عربية بالقول ''أصوات تتساءل عن الاستثناء الجزائري.. فالجزائر تتأثر بما يجري حولها وتؤثر فيه. ولكن ليس على الجزائر أن تعود إلى تجارب قامت بها منذ سنين وعقود''. هذه الرسالة التي حرص عبد العزيز بوتفليقة على إرسالها لمن يهمه الأمر، قبل 4 أشهر فقط عن موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، تعني أن السلطة لديها قراءة أخرى للواقع الجزائري، غير ذلك الذي يراد تسويقه، سواء من طرف الأحزاب الإسلامية المعتمدة في الجزائر، أو من قبل سفارات أجنبية تبحث في نسب ومقاعد البرلمان المقبل. وانطلقت تطمينات السلطة بعدم العودة لما يسميه عبد العزيز بوتفليقة ''تجارب قامت بها منذ سنين وعقود'' من خلال قطع الطريق أمام قيادات الحزب الذي تسبب لها في متاعب، بمنعه من العودة للنشاط السياسي بتهمة ''المأساة الوطنية''، عبر قانون الأحزاب الذي تم تمريره عبر البرلمان. وهو ما يعني، في حسابات السلطة، أن البوابة التي قد تعيد سيناريو ''الاكتساح'' للتيار الإسلامي قد وضعت لها ''فرامل''. ولم يقتصر الفرز ما بين التيارات الإسلامية الموجودة في الساحة على جناح السلطة فقط، بل دخلت على الخط زعيمة حزب العمال التي حاولت نزع قبعة ''المزايدة'' على بعض قيادات الأحزاب الإسلامية، حيث لا ترى في حركة حمس أو النهضة أي تشابه مع الحركات الإسلامية الفائزة بالسلطة في دول الجوار، لسبب بسيط، كما قالت، من حيث إنها كانت مشاركة في السلطة، ولم تكن في مواجهة معها. ولم تبدي لويزة حنون ''قلقها'' سوى من عبد الله جاب الله، ولأسباب صنفتها في خانة ''أجندة أجنبية''. لكن وبين تشريح السلطة وبين تحليلات بعض أحزاب المعارضة، هناك معطى في غاية من الأهمية، وهو أن القضايا التي يتغذى منها خطاب الحركات والأحزاب الإسلامية، ويجعله أقرب من الناخبين والمواطنين، لا تزال تربته خصبة، بسبب إخفاقات السلطة الكثيرة وعدم قدرتها على تجسيد وعودها في محاربة الفساد وتكريس العدالة الاجتماعية. التيار الإسلامي في الجزائر أمام موعد لإثبات نفسه أو ضمور دوره توهج الإسلاميين في بلدان الربيع يدفع سلطاني للتهليل وبلخادم للمحاصصة خلف اكتساح الإسلاميين استحقاقات جرت في بلدان عربية إفرازات مباشرة على الساحة السياسية الجزائرية، إن على مستوى الخطاب أو السلوك، بين نشوة حركة مجتمع السلم التي بدأت في التهليل لانتخابات الربيع القادم، ومحاصصة الأمين العام لجبهة التحرير لنتائج هذا التيار مسبقا، من قبيل أنه سيشكل فارقا في التشريعيات، لكن طبعا برأي بلخادم، خلف الأفالان الذي سيحقق الأغلبية مجددا. وقد حركت نتائج الانتخابات في ثلاثة بلدان في شمال إفريقيا، اثنان منها ضمن ما يعرف ب''الربيع العربي'' والثالثة في المغرب، طموحات كبرى لدى الأحزاب الإسلامية في الجزائر باعتماد نتائج التشريعيات والمحليات الماضية. وبدت شهية أبو جرة سلطاني، رئيس حركة مجتمع السلم، وقد تفتحت فعلا على حصاد وافر في انتخابات موصوفة مسبقا بأنها الفارق في مصير الجزائر من ''موضة الربيع العربي''. وما انفك زعيم ''إخوان الجزائر'' أبو جرة سلطاني، في تقديم حزبه على أنه النسخة الجزائرية لما حققته النهضة في تونس، والعدالة والتنمية في المغرب، والإخوان في مصر. ويتوقع سلطاني ألا يتوقف هذا التشابه عند مجرد المرجعيات، بل أن يمتد إلى مقاعد البرلمان المقبل. ولو أن حركة مجتمع السلم لا تمتلك أهم مفاتيح فوز الأحزاب الثلاثة، وهي وقوفها في المعارضة، وتعرضها إما لبطش الأنظمة السابقة أو تشريد قياداتها أو التضييق على نشاطها، بينما ظلت حمس شريكا للسلطة سنوات طويلة من باب ما يعرف بتوازنات كانت الجزائر في حاجة إليها مطلع الألفية. وتلوح الحركة الإسلامية في الجزائرية بورقتين جديدتين، الأولى يقودها فريق منشق عن حركة مجتمع السلم، الذي يسعى لتأسيس ''جبهة التغيير الوطني''، والثانية يقودها سعد عبد الله جاب الله الذي أطلق ''جبهة العدالة والتنمية''. وبقدر الخطابات المتفائلة لزعامات الحزبين تجاه مسار الموعد النيابي القادم، بقدر ما تجهل درجة القبول الشعبي ل''التيار الإسلامي'' ممثلا في هذه الوصفات الحاضرة للانتخابات. وتقلص حضور الإسلاميين في البرلمان في انتخابات 2007، مقارنة بتشريعيات 2002 التي اكتسح فيها حزب عبد الله جاب الله يومها ''النهضة'' 43 مقعدا، بالإضافة لحضور لافت لمجتمع السلم. لكن الرهان على ضعف صفوف أحزاب السلطة للمرور إلى تشريعيات العام القادم يبقى غير محسوما قياسا لشتات الإسلاميين أنفسهم، وارتباط المخيال الجماعي للجزائريين في النظر بتجربة فترة التسعينيات، التي حملت فيها مسببات العنف لهذا التيار. ولكن نتائج ''الإسلاميين''، كتيار سياسي في الدول الثلاث، لم تتوقف إفرازاتها عند حمس، حيث يربط مراقبون بين تحركات لويزة حنون زعيمة حزب العمال في اتجاه انتقاد وجوه تمثل هذا التيار، والمحاصصة التي حضرها بلخادم له في انتخابات الربيع القادم. على النقيض الباحث في علم الاجتماع ناصر جابي ل''الخبر'' ''العائلة الإسلامية غير المهيكلة مجهولة التوجه'' يعتقد خبير علم الإجتماع، ناصر جابي، أن الظرف الراهن قد يعطي الأسبقية لزعامات سياسية لم تشارك السلطة، سواء المسؤولية أو السيناريوهات الانتخابية في السباق نحو التشريعيات القادمة. ويوضح جابي ل''الخبر'' أن قطاعا جماهيريا كبيرا يمثل عائلة الإسلام السياسي مجهول التوجهات. كثر الحديث عن فوز الإسلاميين بالانتخابات في تونس، المغرب ومصر، المحطة القادمة ستكون في الجزائر، ما حظوظ الإسلاميين في التشريعيات القادمة؟ لا بد أولا من تحديد الخارطة السياسية، لأن الإسلام السياسي في الجزائر غير معروف المعالم، قياسا لوجود جزء ''إخواني'' مهيكل، وقد ينسحب هذا على حركة مجتمع السلم، وحركة النهضة جزئيا، وكذلك الإصلاح جزئيا كذلك، وهذا الجزء المهيكل شارك في السلطة إما بشكل مباشر في المسؤوليات أو شاركها في التنافس على الانتخابات، وهذه الصفة تجعلهم لا يتشابهون مع الأحزاب الفائزة في مصر وتونس والمغرب. الجانب الثاني وهو الإسلام السياسي غير المهيكل، وجماهيره تقريبا غير معروفة وتجهل توجهاتها. السلطة تذكر أن الوضع في الجزائر بمنأى عما وقع لدى الجيران، هل هذا الأمر يعكس الواقع الجزائري؟ كل الأنظمة التي سقطت، أو ظهرت حولها مطالب جماهيرية بإزالتها، قالت مثل هذا الكلام. حسني مبارك قالها، وسيف الإسلام القذافي قال أيضا إن ليبيا تختلف، والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والرئيس السوري بشار الأسد. صحيح أن لكل دولة خصوصيتها، لكني عموما أقول إن ما حدث لدى الجيران أثر في الجزائر وسيؤثر، لكن المجهول هو كيف سيؤثر وشكل هذا التأثير، وتوقيته. في رأيك من هي الأحزاب الإسلامية التي ترى أن بإمكانها تحقيق فوز كبير في التشريعيات القادمة؟ العائلة السياسية الإسلامية موجودة في الجزائر وستبقى، كذلك العائلة السياسية الوطنية موجودة وستبقى، ونفس الشيء بالنسبة للعائلة السياسية الديمقراطية. الإشكال فقط فيمن سيعبر عن الصفة الإسلامية،. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة المتخصص المصري في شؤون الحركات الإسلامية علي عبد العال ل''الخبر'' ''اكتساح الإسلاميين في الجزائر أمر ممكن لكن عليهم التواصل مع الشارع'' ذكر الباحث المصري في شؤون الإسلاميين، علي عبد العال، في اتصال مع ''الخبر''، أن زخم الإسلاميين في الجزائر أكبر مما هو في بلدان مغاربية أخرى. وعلى هذا الأساس يتوقع فوزا عريضا لفائدتهم في استحقاقات .2012 كيف تفسر، موضوعيا، الفوز العريض للإسلاميين في استحقاقات تونس والمغرب ومصر؟ على الأقل لدينا في مصر لم يكن غريبا فوز الإسلاميين، بل كان متوقعا بشكل كبير. وأنا شخصيا سبق وقلت في لقاء تلفزيوني، قبل الانتخابات بأسابيع، إن الإخوان والسلفيين لو لم ينافس بعضهم بعضا في معظم الدوائر الانتخابية لما حصلت القوى الأخرى غير الإسلامية على مقعد واحد في البرلمان. وقلت آنذاك أتوقع لهم فوزا يتجاوز ال 99%، وذلك يعود للوجود القوي للإسلاميين في الشارع المصري، وهو وجود تاريخي وملحوظ. الجزائر ظلت بمنأى عن ظاهرة ''الربيع العربي''، فهل ستكون برأيكم بمنأى عن ''الاكتساح الإسلامي'' في الاستحقاقات المرتقبة في 2012؟ ظني أن اكتساح الإسلاميين في الجزائر أمر ممكن، وليس لدي أدنى شك فيه، خاصة إذا تحقق بالفعل الاكتساح في دول مثل المغرب وتونس، وهي دول أقل إسلامية من الجزائر. أقصد أن القوى الإسلامية فيها لم يكن لها زخم مثل زخم الإسلاميين في الجزائر. دليل آخر على إمكانية هذا الاكتساح أنه سبق وحدث بالفعل في انتخابات 1991 التي ألغيت نتيجتها. فقط ما يحتاجه الإسلاميون الجزائريون هو تنظيم أنفسهم والاستعداد لمخاطبة الرأي العام والمجتمع الدولي، وأن يشرعوا في تشكيل أحزاب حقيقية. إلى أي مدى يمكن أن تتأثر الجزائر ب''النشوة'' التي تميز التيار الإسلامي في البلدان العربية حاليا؟ ظني أن تأثر الجزائر سيكون كبيرا، خاصة وأنها منخرطة، برأيي، أكثر من دول مغاربية أخرى، في هموم الشرق والعالم العربي. والجزائر بلد ذا طبيعة لا تختلف عن غيره من البلدان مثل مصر. لاشك أن الإسلاميين في العالم العربي كانوا يرون في الجزائر دولة أقرب إليهم من دول مغاربية أخرى. ولا شك أيضا أن الإسلاميين الجزائريين يحظون باهتمام في العالم العربي، نظرا لتجربة بعض كياناتهم المريرة مع السلطة. أمر آخر أراه في هذا الشأن، وهو أنه لا ينبغي أن يتخوف الشارع الجزائري من أي صعود إسلامي، خاصة أن الدول التي سبقت الجزائر في صعود الإسلاميين بها ثبت لدى رأيها العام أن الإسلاميين لم يكونوا بشعين بالصورة التي صوروا بها . الجزائر: حاوره حميد يس