بيّنت ردود الفعل التركية، إزاء قرار مصادقة البرلمان الفرنسي على مشروع قانون تجريم إنكار المجازر المفترضة ضد الأرمن في 1915، عن ثقة صانع القرار بأنه يتحرك فعلا باسم الشعب التركي، وأنه يدافع عن مبادئه وقيمه، حتى ولو كان الأمر يتعلق بتهمة تعود إلى دولة عثمانية قوّضها النظام الكمالي العلماني لأتاتورك. فتركيا الكمالية بوجهها الإسلامي تعيد الاعتبار للدولة العثمانية، وترفض أن تتهم بأنها كانت وراء مجازر وإبادة، لأن الأمر يتعلق بكرامة الدولة التركية، بل تذهب حكومتها المنتخبة أبعد من ذلك لتلقن دروسا للجانب الفرنسي الذي أبى واستكبر وقال يوما ''لا اعتراف ولا طلب اعتذار'' لما قام به جنرالات فرنسا كبيليسيي وبوجو وكافينياك، بمستعمرته السابقة الجزائر، ولكنه بالمقابل يرفض مطلقا أن تسقط التهم على كلاوز باربي وموريس بابون فقط لأنهما متهمان بمعاداة اليهود واضطهادهم، ولا تقادم عندهم لمثل هذه الجرائم، طبعا المعادلة مختلفة، لأنه في حالة تركيا هنالك دولة تتحدث حكومتها من موقع الواثق من النفس، لأنها رسخت تقاليد الشرعية السياسية والحكم الديمقراطي بعد أن عاشت زمنا طويلا تحت رحمة العسكر وجنرالات كانوا يملون على الساسة توجهاتهم ويضعونهم تحت مقصلة الإقصاء إذا حادوا عن الطريق، كما حدث في انقلابي 1960 و.1980 ولكن تركيا اليوم، العضو في حلف الأطلسي والقوة الاقتصادية الصاعدة، لها من وسائل الضغط ما يسمح لها بأن تُسمع صوتها وتقول كما قال الياباني شينتاروا أشيهارا للعالم يوما ''اليابان تقول لا''. وعلى نقيض ذلك، وحينما نفتقد إلى الشرعية الحقيقية ونطوّر خطابا سياسيا أجوف، ونعيد إنتاجه بعقلية الوصاية، بعيدا عن فهم الشعوب ودون رأيها، فإننا لن نجد صدى له.. فالجزائر لم تجد وسيلة للتنديد بعد صدور قانون 23 فيفري، إلا خطابا موجها للاستهلاك، لأن فرنسا الرسمية المدركة لخبايا السياسة ومقتضياتها تعي تماما أن في الضفة الأخرى لا نمتلك أي وسيلة ضغط يمكن أن نبرزها، حتى وإن امتلكت نظريا طاقة تستهلك وجالية بأكثر من 5,1مليون، في وقت رأينا عمل أقلية أرمينية منظمة ومهيكلة بشبكات ومجموعات ضغط متمرسة على فنون ''اللوبيينغ'' نجحت بفضل جالية تقدر بحوالي 500 ألف نسمة فقط، أن تفتك ما لم تنجح في إحرازه دول. وكما يقول المفكر الأمريكي رالف إيميرسون ''العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب''، ولكننا نحن لا نعرف، أو نعرف ونتجاهل.. وتلك الطامة الكبرى. [email protected]