زيارة وزير الداخلية، كلود غيون، للجزائر تأتي في ظرف خاص تعيشه المنطقة المغاربية والإفريقية، ولكن أيضا فرنسا، التي تحاول إعادة إحياء سياسة الدبلوماسية الموازية واستنساخ نظرية كروكر الأمريكية حول الفراغ في القارة الإفريقية، والنزاعات ذات النطاق المحدود والنزاعات اللامتوازية التي يمكن أن تهدد مصالح الدول الكبرى. فباريس ورغم حربها في ليبيا، وتموقعها في ليبيا ''الجديدة'' مع استثمارها لغنائم حربها، تجد نفسها أمام فاعلين جدد، يشكلون بالنسبة إليها تهديدا أمنيا، سواء كان ذلك في ليبيا ذاتها أو في منطقة الساحل والقرن الإفريقي ووسط إفريقيا، إنها الحركات المسلحة وتنظيم القاعدة الذي شرع في التكيف مع المتغيرات الجديدة ووظف أسلحة ضغط ومساومة جديدة من بينها الاختطافات وطلب الفدية على نطاق أضحى يشكل مصدر قلق بالغ بالنسبة لدولة مثل فرنسا ترغب في ضمان تواجدها المباشر في دول تعاني أنظمتها الضعف وهي غير قادرة على التحكم في كل أراضيها دون دعم ومساعدة. وترى باريس أن الجزائر ورغم تباين المواقف، تبقى أحد المفاتيح والحلول في صياغة إستراتيجية أمنية تضمن المحافظة على مصالح فرنسا في المنطقة، وتحول دون استحواذ أمريكي كلي، كما حدث في العديد من المناطق التي كانت تعتبر إلى عهد قريب مناطق فرنسية خالصة مثل جيبوتي. فانتشار السلاح على نطاق واسع وبروز شبكة تحالفات بين قوى شبه عسكرية وتنظيم القاعدة، إلى درجة أضحت فيها مناطق بأكملها خارج سيطرة الدول، يجعل باريس تفكر مليا في تطبيق سياسة ترابط مصلحية مع الجزائر. ففرنسا ساركوزي التي أعادت النظر في صيغة الشراكة فرنسا إفريقيا، التي دافع عنها شيراك، عجزت عن إيجاد بدائل عن شبكات طوّرها جاك فوكار، ثم فريديريك ميتران ودعمتها شركات قوية مثل ''آلف'' و''توتال'' و''أريفا''، لكنها مجبرة على إيجاد بدائل عن تركة الزعيم الليبي معمر القذافي في إفريقيا والفراغ الذي يمكن أن يقوّض مخططاتها في ترسيخ وجودها في إفريقيا، والتي لخصها يوما السياسي الكيني جومو كينياتا بقوله: ''حينما أتى البيض إلى إفريقيا كانت لنا الأراضي وله الإنجيل ولقنونا الصلاة بعيون مغلقة، وحينما فتحنا أعيننا كان للبيض الأرض واكتفينا بالإنجيل''. فباريس التي اعتمدت على شراء ذمم زعماء وقادة أفارقة تحت خانة الصداقة الإفريقية الفرنسية، وبنت شبكات دامت عشرات السنين، تجد نفسها اليوم مضطرة لإعادة بناء شبكات جديدة لتنقذ ما يمكن إنقاذه في القارة السمراء. [email protected]