l كانت العرب في الجاهلية إذا أرادوا سفراً أو تجارة أو نكاحاً أو اختلفوا في نسب أو أمر قتيل، أو تحمل عقل أو غير ذلك من الأمور العظام جاءوا إلى هُبَل، وكان أعظم صنم لقريش بمكة، وكان في الكعبة وجاءوا بمائة درهم وأعطوها صاحب القداح حتى يجليها لهم، فإن خرج أمرني ربِّي فعلوا ذلك الأمر وإن خرج نهاني ربِّي لم يفعلوا وإذا أجالوا على نسب فإن خرج ''منكم'' كان وسطاً فيهم وإن خرج ''من غيركم'' كان خلفاً فيهم وإن خرج ''ملصق'' كان على حاله وإن اختلفوا في العقل وهو الدية، فمَن خرج ''عليه العقل'' تحمِله وإن خرج العقل أجالوا ثانياً حتّى يخرج المكتوب عليهم فنهاهم الله عن ذلك وحرّمه وسمّاه فِسقاً (انظر الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للشيخ منصور الجمل). ولقد جاءنا الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم بالبديل، الّذي يمتن صلَة العبد بربِّه ولا يقطعها حيث لا يسأل إلاّ الله ولا يتوكَّل إلاّ على الله ولا يفتقر إلاّ إليه تعالى، إذ هو القادر على كلّ شيء والوحيد الّذي يُجيب المُضطر إذا دعاهُ وهو الأعْلَم بما ينفع عبده ويضرّه.. فقد أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصلاة الاستخارة حين قال: ''مَا خابَ مَن اسْتَخار ولا نَدِم مَن اسْتَشار''. فمَن استخار الله تعالى استخار علاّم الغيوب الّذي لا تخْفَى عليه خافية في الأرض ولا في السّماء وهو الّذي يُطْلِع عبده إذا شَاء ومَتَى شاء وكيف شاء بعواقب الأمور إن رَدَّ الأمْرَ إليه سبحانه، وإذا استنصح العقلاء شارَكَهُم في عُقولهم لأنّهم أهلُ الخِبرة والتّجربة والكفاءة العلمية والنّزاهة وسلامة الضمير وقناعة النّفس، فالاستخارة للمضمون: تفْعَل أو لا تفعل، وأمّا الاستشارة بعد الاستجابة الإلهية فتأتي لتوضّح لك كيفية الوصول إلى المطلوب، ولهَذَا عطف الرّسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بين هاتين الطريقتين، حيث نَفَى في أولاهما الخسارة والخيبة على مَن سأل ربَّه خاشعاً متضرّعاً صادقاً مُخلصاً طيِّب الكسب والحال والمقال ونَفَى النّدم على مَن استنصح أهل الرأي والحِنكة.