متضامنون وضعوا وردة تحت شرفة محمد تولوز تستعيد الحياة وتبحث عن حقيقة ما جرى تحولت الشقة التي قتل فيها الشاب محمد مراح على يد قوات النخبة الفرنسية (ريد) في ظروف غامضة بمدينة تولوز، إلى مزار للفضوليين سواء من تولوز نفسها أو حتى من مدن قريبة منها، وتحولت أيضا إلى مقصد لمن يرون في عمل محمد مراح ''جهادا''، وهو بالتالي شهيد، وبين من يرونه ''إرهابا'' وهو بالتالي مجرم نال عقابه. بدأت الحياة تعود تدريجيا إلى هذه المدينة وسط مشاعر متضاربة حيال ما حدث، وحيال شخص محمد مراح نفسه، فقد وجد سكان العمارة أول أمس وردة مرمية تحت شرفة الشقة التي قتل فيها محمد، حيث سارع البعض إلى إخفائها حتى لا تتعقد الأمور أكثر مما هي عليه. والشقة الشهيرة التي اهتم بشأنها ملايين الناس عبر العالم، تقع في الطابق الأرضي من العمارة رقم 17 بحي ''سارجون فينيي'' بمنطقة ''كوت دو بافي''، وهو أحد الأحياء الراقية في مدينة تولوز، وهو ما يثير بداية عدة أسئلة لدى من يزور المكان، عن كيفية فشل قوات النخبة الفرنسية في اقتحام الشقة رغم أنها ترتفع بأقل من مترين عن الأرض. وعندما وصلنا ظهر أمس إلى هناك، وجدنا عددا من الفضوليين يأخذون صورا تذكارية للمكان، بينما كان سكان العمارة يعودون لتوهم إلى منازلهم بعدما أخرجتهم مصالح الأمن منها قبل أيام. وكان واضحا على جدران العمارة آثار رصاص ليس فقط في شقة محمد مراح وإنما أيضا في جدران الشقق المحاذية لها، كما يمكن ملاحظة الزجاج المكسور لنوافذ شقق في الطابق الثاني أو الثالث. وهناك آثار رصاص على سيارة من نوع ''كليو'' حمراء لا تزال مركونة هناك بالقرب من الشقة الشهيرة. وبينما انشغل الفضوليون بتبادل أطراف الحديث حول الحادثة التي هزت مدينة تولوز وفرنسا عموما، تفرغ جار محمد مراح الذي يسكن فوقه إلى إعادة تهيئة واجهة شقته، في حين عمدت مصالح الأمن الفرنسية إلى ''تشميع'' شقة مراح بألواح خشبية، تمنع رؤية ماذا حل بها من الداخل. جارة محمد مراح تروي ل''الخبر'' لحظات محاصرة شقته وحاولنا دخول العمارة، لكن سكانها رفضوا ذلك، وطلبوا احترام خصوصيتهم، خصوصا وأنهم عاشوا الرعب على مدى أيام كما قالوا ل''الخبر''، بل كانوا رهائن لكل من الشرطة ولجارهم محمد مراح. وفي هذا السياق تحكي الشابة فلورانس بويي، التي تقع شقتها على بعد مترين من شقة محمد مراح في العمارة، في حديثها ل''الخبر أنها ''كانت ليلة محاصرة محمد مراح في العمارة ولم تفهم ماذا يجري حولها أمام العدد الهائل لقوات الشرطة وأما حجم الرصاص''. وتضيف فلورانس، وهي تستعيد بصعوبة المشهد ''بقيت في شقتي وسمعت رصاصا يخرج من شقة محمد، لقد كان هو البادئ بإطلاق الرصاص، ثم تبعه إطلاق نار كثيف''. وعندما طلبنا من فلورانس التدقيق قليلا في ذكر التفاصيل، أشارت إلى أنها ''تعيش كابوسا لم ينته بعد وليس بمقدورها استعادة هدوئها النفسي الذي عكره الاعتداء عليهم في هذه العمارة''. وترفض فلورانس بصراحة أن يتم اعتبار محمد مراح ''شهيدا''، بل تعتبره مجرد ضحية مجتمع. وتؤكد أن سكان العمارة لا يعرفونه عن قرب، ولهذا يجب البحث في أماكن أخرى عمن يكون محمد مراح. وصادف وجودنا بالمكان مجموعة من الشبان الفرنسيين، لا تتعدى أعمارهم عشرين سنة في أحسن الأحوال، واقتربت ''الخبر'' منهم على سبيل الفضول، واعتقادا منا بأنهم من سكان العمارة أو أبناء الحي، لكن تبين أنهم شباب فضوليون وجدوا الفرصة سانحة لزيارة شقة محمد مراح الشهيرة بعدما رحلت مصالح الأمن والصحافة عن المكان. وردا على سؤال ''الخبر'' حول رؤيتهم لما حدث هنا في تولوز، عبرت شابة فرنسية من أصول مغربية عن قناعتها بأن ''محمد راح ضحية غياب دور الأسرة''، مؤكدة أنه ''ضحية لكنه ليس بريئا لأنه قتل أناسا أبرياء'' على حد قولها. أما صديقها فقال إن ''الصور التي بثت عن محمد مراح وحركاته لا تعكس حقيقة ما نسب إليه، فهو يظهر شابا يافعا ولطيفا، وليس له تلك القوة على القتل''. أما شاب ثالث قدم من ضواحي مدينة تولوز خصيصا لزيارة شقة محمد مراح، فكان صريحا عندما أوضح أن ''ما يهمه في القصة هو معرفة دوافع محمد، وليس هوية الضحايا، هل هم يهود أم كاثوليك أو مسلمون، المهم هو ما حدث ولماذا حدث، ولكننا للأسف لن نعرف ماذا حصل ما دام قد قتل''. وتشير فتاة أخرى كانت مع صديقها إلى أنها ''بقيت تشاهد التلفزيون وتسمع الإذاعة وتتابع الأخبار عبر جوالها لهذا الحادث الأول من نوعه في تولوز، لكن ما استغربت له هو لماذا بقيت قوات النخبة تحاصر المكان لأكثر من 32 ساعة وفي النهاية تقتله''. جدل متواصل حول نهاية محمد مراح وبالنسبة إلى وسائل الإعلام الفرنسية، فالقصة لم تنته، حيث وجدنا فريقا من قناة ''فرانس دو'' لكنهم يشتكون من رفض سكان العمارة الحديث للتلفزيون، ''فهم لا يزالون تحت الصدمة ولا يريدون الكلام، وها هم يعودون إلى منازلهم بعدما هربوا منها بسبب ما جرى''، يقول صحفي فرانس دو ل''الخبر''. أما صحف تولوز فقد وجدت في قضية محمد مراح ''قصة لا ينتهي'' الحديث عنها والاستفاضة فيه، كما هو حال صحيفة ''لا ديباش دو ميدي'' التي فتحت ملف عائلة محمد مراح وراحت تتهم أخاه عبد القادر بأنه يقف وراء دفعه لفعل فعلته، كما فتحت الصحيفة ملف السلفيين في تولوز. وأفردت صفحتها الأولى للمسيرة التي ضمت ستة آلاف من سكان تولوز، بمسلميهم ويهودييهم، ومسؤوليها، كلهم يدا بيد ضد العنف، وفق تعبير الصحيفة. أما في الشارع بمدينة تولوز، فيبدو بكل وضوح حجم الانزعاج الذي ألم بأهلها، كل من زاوية نظره وأصوله أيضا، وفي هذا الإطار أبدى كريم، الذي يعمل بأحد فنادق المدينة، انزعاجه من توظيف جنسية وديانة محمد مراح في الجدل الدائر حاليا، وقال ''هنا لا يريدون التفريق بين مسلم وإسلامي أو سلفي، فكلهم سواء عندهم، لقد وجدوا في مراح النموذج المطلوب لإلصاق التهمة، فهو ابن مهاجر ومسلم وجزائري أيضا''. وأظهر سائق طاكسي من أصول إسبانية كما بدا من لكنة كلامه، وعيا كبيرا عندما أشار إلى أن ''قوات النخبة كان بإمكانها أن تخرح محمد مراح وتقوده للمحاكمة، وبعدها تصدر في حقه حكما بالإعدام، أما أن يتم قتله في رأسه برصاصة هكذا، فأنا أشك في القصة من أساسها''. وبخصوص موقفه من مشاكل الإدماج المهاجرين وأبنائهم، أوضح المتحدث أن ''الشباب في أعمار محمد مراح يريدون الحياة على طريقتهم، ويصبح الإجرام مظهرا من مظاهر إثبات الذات، لكن من يريد العمل والتعب فإنه سيحقق اندماجه ولو بصعوبة''.