إذا كان بعض الجزائريين غير معني بالانتخابات القادمة فإن البعض الآخر ينتظرها بفارغ الصبر لأنها تشكل له منصب عمل موسمي، سيجني منه قوته اليومي. تكشف كواليس هذه العملية الانتخابية بولايات الوطن، أن بداية الغيث المالي كانت من عمليات ملء استمارة الترشح لفئة الأحرار، حيث وصل سعرها إلى 1500 دينار، يُدفع نصيب منه لصاحب بطاقة التعريف المعني بالتوقيع والنصيب الآخر يأخذه المكلف بجمع الاستمارات. ومع انطلاق موعد الحملة الانتخابية يزداد طلب المترشحين على العمال البسطاء من أجل تكليفهم بعمليات إلصاق الصور والملصقات في الأماكن العمومية مقابل مبالغ مالية متفق عليها. كما تزدهر عملية كراء المحلات التي يرتفع ثمنها خصوصا في المدن الكبرى، حيث يصعب على العديد من المترشحين العثور على محلات ذات موقع استراتيجي. ورغم أن المدة لا تفوق 20 يوما، وهو عمر الحملة الانتخابية، إلا أن مبلغ الكراء وصل حدود 30 ألف دينار. من جانب آخر تلجأ الأحزاب ورؤساء القوائم الحرة، في غياب مناضليها، إلى انتداب شباب من كلا الجنسين لضمان المداومة، تدفع لهم مرتبات نظير هذه المهمة. ومع اقتراب موعد يوم الاقتراع تتضاعف وتيرة العمل، حيث يكثر المطبلون ومنشطو الحملة، الذين يتنقلون أينما حل رأس القائمة، محاولين إقناع من يصادفونه بالانتخاب لفائدتهم وحضور التجمعات الشعبية وملء القاعات بمقابل يدفع مسبقا. وهناك وظائف أخرى يوم الاقتراع، حيث يصطف مؤيدو كل حزب وقائمة أمام مراكز الانتخاب للقيام بدور الموجه خاصة لكبار السن، لحثهم على التصويت لفائدة من كلفه بذلك. كما أن للمنحرفين وأصحاب العضلات المفتولة نصيبا من المبالغ المرصودة للحملة، حيث يتم الاستنجاد بهم في حالات العراك والمناوشات. وللموظفين والعمال أيضا طريقة أخرى للاستفادة من هذا الحدث الوطني، حيث يسعى البعض إلى الحصول على انتداب من اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات للانتفاع من عطلة مدفوعة الأجر يتخلص بموجبها من ضغط العمل. وإذا كان هذا المشهد الواضح في موعد الانتخابات، أبطاله صغار القوم، فإن الكواليس يحركها النافذون وأصحاب القرار، حيث يجني البعض من أولئك أموالا ومغانم يدفعها ''أصحاب الشكارة'' نظير ترتيب فلان وعلان في مراتب متقدمة في القائمة والكلمة الفيصل ستكون للأقوى مالا ونفوذا.كما يستغل بعض أصحاب المكاتب الفاخرة الذين يتمتعون بمناصب ذات سلطة، هذه الزحمة الانتخابية عن طريق ''الشونطاج'' قصد ليّ ذراع المقبلين على الترشح لإجبارهم على ''الدفع'' نظير تسهيل وثيقة معينة ووعد بالمساعدة والحماية.