اختلط الغث بالسمين في الحملة الانتخابية ولم يعد من السهل على المواطنين، أمام الكم الكبير من الأحزاب والمترشحين للتشريعيات، أن يتبين لهم بسهولة ''الحزب الصحيح من الراشي'' والمترشح الكفء من المرتشي. وما زاد في ذلك عدم ارتقاء أغلبية منشطي هذا المهرجان الانتخابي لمستوى ما يتطلع إليه الجزائريون، حيث يتم اجترار نفس الخطب والوعود التي قيلت في مواعيد سابقة، ما أفقد الحملة وقودها ونفّر عنها متابعيها، ووجدت قيادات أغلبية الأحزاب نفسها في وضع شبيه بخطابات ''مونولوج'' وسط قاعات شبه فارغة إلا من المترشحين وأقاربهم. مرّ أسبوع من عمر الحملة الانتخابية ولم يهتز الشارع ويتفاعل معها، لأن الجزائريين لم يصل إلى أسماعهم ما يريدون سماعه. كثرة في الأحزاب وقلة في البرامج المواطن يشكو وجود ''أوفردوز'' انتخابي تحول الموعد الانتخابي ليوم 10 ماي إلى ما يشبه الجرعة الزائدة ''أوفردوز''، فعدد الأحزاب المشاركة لا تختزن أسماؤها أي ذاكرة وعدد أرقام أصحابها يختلط حتى على الراسخين في فن الحساب، وعدد لوحات الإشهار أنهكت قوى ميزانيات البلديات ولم تعد الساحات العمومية تتسع لعرضها أو لحراستها من أيدي العابثين والناقمين. لم يمرّ سوى أسبوع أول فقط من بداية عمر الحملة الانتخابية، إلا أن الشعور العام في الشارع الجزائري يشير إلى وجود حالة من ''التشبع'' غير مسبوقة، رغم أن بين آخر حملة انتخابية للتشريعيات وهذه التي تجري الآن 5 سنوات بالتمام والكمال، وهي فترة كافية لمحو الأحقاد ونسيان الإخفاقات وتجديد الأنفاس، سواء على مستوى الطبقة السياسية أو وسط الجماهير. ولم تستقطب قوائم المترشحين هذه المرة الفضوليين من المواطنين العاديين، مثلما كانت تجري عليه العادة في المواعيد السابقة، ويعود ذلك، حسب شهادات كثيرة للمواطنين، لكون المنافسة منعدمة هذه المرة بين المترشحين، لأن العرض المقدم من طرف 44 حزبا مشاركا في التشريعيات، فاق بكثير عدد الراغبين في الترشح إلى درجة أن القوائم لم تعد مقصورة على الممارسين السياسيين، بل فتحت لكل من ''هب ودب''، ما نجم عنه ''تمييع'' للعملية السياسية وجعلها في حكم ''إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده''. وما زاد في ''تقزز'' المواطنين أنه مقابل الكم الكبير من الأحزاب السياسية والقوائم الحرة، هناك قلة في البرامج ونوعيتها، حيث تتبنى كل الأحزاب ''بيان أول نوفمبر'' الذي مرت على صياغته قرابة 60 سنة، كبرنامج لها، ما يعني أنها تتغذى على عرق الآخرين وليس لديها ما تقدمه كبدائل لجزائريي .2012 بالإضافة لذلك فإن ''التجوال السياسي'' الذي يميز كل قوائم الأحزاب، أضفى نوعا من عدم الجدية، حيث تغيرت قبعات الأحزاب وتسمياتها ولم يتغير الأشخاص والمهرولون دوما نحو مناصب المسؤولية، وهو ما جعل من خطوة عدم ترشيح أغلبية الوزراء في هذه الانتخابات، يمر مرور الكرام، رغم أنه إجراء يحسب لصالح أحزاب التحالف وللسلطة التي أرادت من وراء ذلك فتح ''شهية'' الناخبين عن طريق تقديم وجوه جديدة أخرى. لكن الملاحظ أن الأحزاب القديمة وحتى الجديدة، لم تجتهد كثيرا في البحث عن ''العصفور'' النادر لتزيين قوائمها، وتحكمت فيها كالعادة سلوكات ''الأقربون أولى بالترشيح''، واكتشف المواطنون في قوائم الأحزاب أن هناك مترشحين قيل إنهم ''جامعيون'' وما هم كذلك، وقُدم آخرون على أنهم إطارات دولة بينما هم في الواقع عمال نظافة أو حلاقات أو مصنفون في الدرك الأسفل من سلم الوظيف العمومي، وهي أشياء يعتقد البعض أنها احتيال بسيط لكنه يضرب مصداقية العملية الانتخابية برمتها في ''القلب''. الجزائر: ح. سليمان الأحوال الجوية أخلطت الأجندة السياسية التجمعات تفتقد للمواطنين وخطابات المترشحين تحبط المستمعين أدى تزامن بداية الحملة الانتخابية يوم 15 أفريل مع رداءة الأحوال الجوية، إلى إحداث ''اضطراب'' في انطلاقة المتنافسين، حيث افتقدت قاعات التجمعات إلى المناضلين حتى لا نقول الأنصار والمتفرجين، ووجدت كاميرات التلفزة صعوبة حتى في التقاط صور للتسخين وجلب الفضوليين. ورغم انحصار تجمعات الأحزاب في الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية، في القاعات الصغيرة التي تتراوح سعتها ما بين 150 و200 مقعد، وعدم المغامرة بولوج القاعات الرياضية الكبرى، إلا أنه مع ذلك لم يكن ''التجنيد'' في الموعد، حيث أفاد مراسلو ''الخبر'' في عدة ولايات، بأن الأحزاب ''الكبرى'' مثل ''الجديدة''، اضطروا إلى الاستعانة بأطفال المدارس الذين لا حق لهم في الاقتراع، من أجل ملء قاعات التجمعات، لتمكين قياداتها من منبر لإلقاء خطابات الحزب والتعريف بمترشحيه للتشريعيات. ويغلب طابع الحضور في هذه التجمعات، على الفئات العمرية المتقدمة في السن، على غرار المسنين والمتقاعدين والنساء الماكثات بالبيت، وتسجيل تراجع ملفت للنظر لفئات الشباب، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول سبب هذه ''المقاطعة'' والنفور لدى هذه الفئات العمرية التي تتراوح ما بين 30 و40 سنة والمعروفة بتكوينها العلمي والمهني. لقد أدت خطابات الأحزاب التي تتسم بالعموميات وبالشعبوية المفرطة وبتكرار مصطلحات قمة في ''لغة الخشب''، إلى قطع الشهية والإحساس ب''التخمة'' لدى المواطنين، لكونها جعلت المستمعين وكأنهم بصدد الاستماع إلى حزب واحد وليس 44 حزبا اعتمدت من قبل وزارة الداخلية، بعدما بينت خطاباتها أنها أحزاب وليدة عملية ''كلوناج'' أكثر منها وليدة احتياجات فعلية وحقيقية للخريطة السياسية في البلاد، ولا يوجد ما يفرق بينها سوى تنافسها للدخول إلى البرلمان. وستكون لهذا ''الانفتاح'' القسري للسلطة الذي ''فرخ'' أحزابا بالجملة في ظرف قياسي، في انتظار ال24 حزبا آخر ينتظر الاعتماد في الداخلية، تداعيات سلبية، خصوصا أن وجوه الكثير من قياداتها لا تبعث صورهم على طمأنة قلب المواطن. ورغم تعدد وسائل التسويق الإعلامي الذي توفره التكنولوجيات الحديثة والأنترنت، غير أن الأحزاب لم تتزحزح عن وصفتها التقليدية المتمثلة في جمع المواطنين في القاعات وحشو أسماعهم بخطابات جوفاء، وهو أسلوب تجاوزه الزمن وبعيد عن الإقناع مقارنة بالتوجه إلى المواطن في بيته والحديث معه مباشرة، وهي الوسيلة التي لم يمارسها أي من قيادات الأحزاب وكأن صوت المواطن لا يساوي ذلك. والنتيجة أن الأحزاب تنتظر في عليائها أن يأتيها المواطنون، والناخب لم يحس بعد أن هناك انتخابات. الجزائر: ح. سليمان حوار رئيس رابطة حقوق الإنسان بوجمعة غشير ''تكليف القضاء والإدارة بالانتخابات خطأ استراتيجي'' لوحظ فتور في تعاطي الجزائريين مع حملة الانتخابات. ما السبب في رأيك؟ السبب أن أصل المشكلة لم يعالج، وهو فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم وبين الناخب والمترشح. فالنظام لم يعمل إطلاقا من أجل استعادة الثقة المفقودة رغم تنبيهات جهات عديدة من بينها منظمتنا التي أبلغت هيئة المشاورات بخصوص الإصلاحات بأن إعادة الثقة للمواطن في دولته أمر هام. وللأسف ترك النظام الوضع يسوء، فالأزمات الاجتماعية تفاقمت والرشوة صارت جزءا من ثقافة المجتمع وغلاء المعيشة في تزايد مستمر. هل يمكن اعتبار هذا الفتور مؤشرا على عزوف كبير عن صناديق الاقتراع، مرتقب يوم 10 ماي المقبل؟ بالتأكيد، ويعود ذلك برأيي إلى أن النظام أدرج الاستحقاق التشريعي في مسار ما يسمى بالتغيير، في حين أن التغيير ينبغي أن يكون بأيدي هيئات أو أشخاص يتمتعون بقدر من المصداقية والنظافة لدى المواطنين. أما ما لاحظناه فإن العملية الانتخابية الحالية، كلفت بإنجازها هيئتان هما بحاجة إلى إصلاح: العدالة والإدارة. وتتفقون معي عندما أقول إن من أهم المطالب الشعبية هو إصلاح هاتين الهيئتين لأنهما مصدر المشاكل التي يعاني منها المواطن، إذا منحهما عملية إنجاز التغيير كان خطأ استراتيجيا لفقدانهما كل مصداقية. أليس من الإجحاف أن نحمّل السلطة وحدها مسؤولية برودة المواطنين تجاه الانتخابات؟ أليست الأحزاب مسؤولة أيضا عن هذا الوضع؟ النظام لم يعط المثال في احترام القانون والطبقة السياسية لم تستوعب درس التغيير، فقدمت مترشحين لا يمكنهم مواكبة التغيير وليس بمقدورهم أن يرتقوا بأفكارهم إلى بناء الجمهورية الثانية. والحاصل أننا رأينا مترشحين للانتخابات المقبلة أقل مستوى تعليميا وأدنى درجة من حيث الوعي، مقارنة بأعضاء البرلمان الذين انتهت عهدتهم. السلطة قادت حملة كبيرة لدفع المواطنين إلى التصويت بكثافة، هذا يعني أنها متأكدة بأنهم غير راغبين فيها.. هذا مؤكد، فبعد أحداث جانفي 2011 وسقوط نظام بن علي في تونس، حدث هلع على مستوى رجال السلطة، تحول فيما بعد إلى خوف كبير، لذلك أعلنوا عن إصلاحات أدرجوا ضمنها الانتخابات، وعملوا بعدها على إقناع الرأي العام في الخارج بجدية المسعى، والرئيس يعي جيدا بأن المشاركة ستكون ضعيفة، لذلك يحث في كل مناسبة على ضرورة الذهاب بأعداد كبيرة إلى الصندوق. وأعتقد أن همّ الرئيس الكبير هو أن يجد توازنا في المجلس الجديد، لأنه يعلم بأن الوعاء الانتخابي للأحزاب الدينية مطيع وسوف يصوت لصالحها، بينما وعاء التيار الآخر مهمل وقد لا يصوت. فإذا حدث عزوف، سيكون التيار الديني طاغيا على المجلس الذي ستفرزه الانتخابات. الجزائر: حاوره حميد يس فاروق قسنطيني ل''الخبر'' ''الأحزاب فشلت في استقطاب المواطنين والواقع الاجتماعي لا يشجع على الانتخاب'' يسلم فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، ب''فتور حملة انتخابية'' قال إنها لم ترق لمستوى ما كان منتظرا منها، وأبدى مخاوفه من ضعف المشاركة الانتخابية، على خلفيتها. كيف ترى سير الحملة الانتخابية، من خلال أسبوعها الأول؟ الأمور لا تسير بالسرعة المطلوبة، أنا أشعر أن المواطن لا تستهويه خرجات الأحزاب السياسية، وبالتالي وكأن الانتخاب لا يعنيه، أقول إنه إذا أردنا فعلا التغيير، فيجب أن يبدأ من الانتخابات، لكن للأسف راهن الوضع الاجتماعي لا يشجع على الانتخاب، عندما وصل سعر البطاطا إلى 100 دينار، هذا غير معقول بالنسبة لمواطن يتقاضى 15 ألف دينار. وهل تتوقعون انعكاسا سلبيا لهذا الواقع على نسبة المشاركة يوم 10 ماي؟ طبعا، لا يعقل أن نراهن على مواطن يشكو غلاء فاحشا في الأسعار ونقول له إنك مسؤول عن صوتك ويجب أن تنتخب. الظروف الحالية غير لائقة، وأشعر أن هناك عرقلة من أجل ثني الناس عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، وأتساءل كيف لدولة بمؤسساتها لا تستطيع التحكم في سعر البطاطا؟ ألا يطرح الخطاب السياسي المسوق في الحملة، كواحد من مسببات الفتور؟ أرى أن الأمور لم تتحرك فعلا، هناك خطاب ضعيف المستوى، عموما، ما عدا قادة أحزاب معينة، لكني لا ألوم بعض الأحزاب، نظرا لقصر تجربتها السياسية (الأحزاب الجديدة) فالحزب الذي لم يتجاوز عمره ثلاثة أشهر لا يستطيع مواجهة التشريعيات، إلا أنه لا ينبغي تسويد الوضع، والواجب هو العمل على تحسين الأوضاع. وقلنا مرارا إن كثرة الأحزاب ليست هي الحل، فقد ظهر أن قادتها لا يتكلمون نفس اللغة وهم مبتعدون عن بعضهم البعض، وقد تابعت تدخلاتهم التلفزيونية ورأيت أنها ليست في المستوى المطلوب، ولا تحمل خصائص ترغب الجزائريين في التوجه إلى صناديق الاقتراع. وزيادة على ذلك، لاحظت أن المواطن لا يلتفت أبدا للافتات الانتخابية، هذا الواقع بمثابة استقالة جماعية للمواطنين، ويجب على الدولة إعادة النظر في الكثير من الأمور. وما المطلوب في نظرك؟ المطلوب طبعا، أن يبذل مسؤولو الأحزاب جهدا إضافيا وضمان العناصر التي بإمكانها ترغيب الناس في الانتخاب، والعمل على تحويل مجرى الأمور خلال القادم من الأيام. الجزائر: حاوره محمد شراق