لم يكن أحد من أنصار الوفاق السطايفي يتصور أن فريقهم لهذا الموسم، الذي جدد تشكيلته بنسبة كبيرة، باعتماده على لاعبين مغمورين، بإمكانه أن يعاكس كل التكهنات ويقلب الطاولة على الكثير من الفرق التي حضّرت ماديا ومعنويا للعب لكسب لقب البطولة، ويحقق الثنائية في موسم سيبقى راسخا في أذهان ''أولاد عين الفوارة''. لم يكتف الوفاق بالفوز بكأس الجمهورية والعودة للتربع على عرش الفرق الأكثر تتويجا بالسيدة الكأس، بل أضاف له عشية الثلاثاء الفارط لقب البطولة قبل جولة من إسدال الستار عن ثاني موسم للبطولة الاحترافية. الهدف الأول.. تشكيل فريق يلعب على البقاء اتفق رئيس الفريق، حسان حمّار، ورئيس الشركة الرياضية للفريق، عبد الحكيم سرّار، في نهاية الموسم الفارط، على ضرورة وضع حد لسياسة النجومية التي أرهقت كاهل خزينة الفريق وأوصلت المصاريف إلى حدود ال60 مليار سنتيم خلال موسم 2009/2010، كان نتاجها بطولة وطنية وكأس لشمال إفريقيا، وخيبة على صعيد المنافسة الإفريقية، في حين خرج الفريق، خلال الموسم الفارط، صفر اليدين، ليتم تسريح ألمع النجوم بداية من القائد لموشية، العيفاوي، مترف، يخلف، بوعزة، جديات، شاوشي، فراجي، جاليت وآخرين، ويتم تعويضهم بلاعبين مغمورين يتقدمهم الحارسان بن خوجة وبرفيفة، واللاعبان فراحي، جحنيط، فورمي، ناجي، بن فورين، تيولي ولخذاري، وحتى قراوي، ومفني. واستنجدت إدارة الوفاق بخبرة لاعب الزمالك السابق، أمين عودية، لمنح بعض من التوازن لهذه التشكيلة التي بقي فيها من العناصر القديمة من يملك رصيدا معتبرا من الخبرة والنجومية على غرار المخضرمين ديس، بن شادي، وبلقايد، وأبناء الفريق دلهوم وجابو، إلى جانب المتألقين حشود وبن موسى، والذين أحاطوا الشبان الجدد بالثقة، والرعاية والتوجيه داخل وخارج أرضية الميدان، وحتى سرار وحمّار أرادا في البداية لعب بطولة دون ضغط والاكتفاء فقط بلعب ورقة البقاء براحة كبيرة، ثم تحضير هذا الفريق للمواسم المقبلة، بدليل أن كل اللاعبين تم التوقيع معهم على عقود تمتد من ثلاثة إلى أربعة مواسم، حفاظا على الاستقرار وتحقيق الأهداف المستقبلية. بداية محتشمة وانتفاضة في بلوزداد ومازاد من تخوف أنصار الوفاق على فريقهم، هو الوجه الذي ظهر به مع بداية بطولة هذا الموسم، إذ وبعد فوز صعب للغاية أمام أضعف فريق، وهو نصر حسين داي، وكان في الوقت بدل الضائع من طرف المتألق حشود، سجل الفريق ثلاث هزائم متتالية أمام مولودية العاصمة، شبيبة بجاية، واتحاد الحراش، ثم يستدرك الفريق أمام أولمبي الشلف بسطيف بفضل ثلاثية مقابل هدف، ثم يعود بنقطة من الخروب قبل أن ينكسر مرة ثانية أمام الجار مولودية العلمة بسطيف، ويكتفي بتعادل إيجابي بهدف في كل شبكة.. كل هذه النتائج جعلت الأنصار وحتى المسيّرين يتيقنون أن الوفاق سيعيش موسما أسود وصعبا قد يؤدي به إلى الرابطة المحترفة الثانية.. وبدأ الجميع يختفي عن الأنظار محاولين إبعاد المسؤولية عن أنفسهم في إعداد هذه التشكيلة المخيّبة للآمال، وكانت البداية بهروب المدرب كاستيلان بعد خسارة الفريق بالعاصمة أمام المولودية، ثم ابتعاد جل المسيّرين عن محيط الفريق ولم يبق سوى الرئيس حسان حمّار يصارع بمفرده ويدعو الجميع إلى ضرورة الثقة في هؤلاء الشبان، حتى أنه ذرف دموعا كثيرة يوم انقلب عليه الجمهور بعد هزيمة فريقه أمام شبيبة بجاية بسطيف، لتأتي الانتفاضة بملعب 20 أوت ببلوزداد، وتمكن الفريق من قلب الطاولة على متصدر البطولة آنذاك، شباب بلوزداد، بثلاثية لهدف واحد، وتستمر صحوة الفريق وعودته إلى الواجهة خلال خمس جولات متتالية بعد مواجهة بلوزداد، سجل خلالها الفريق أربعة انتصارات وتعادلا واحدا، مكنت الفريق من تسلق سلم الريادة والانفراد بها بعد فوز أمام مولودية سعيدة في الجولة الثالثة عشرة، مقابل سقوط كل من اتحاد العاصمة ببجاية، وشباب بلوزداد بقسنطينة. ورغم التعثر غير المنتظر أمام شباب قسنطينة قبل الجولة الأخيرة، فإن الفريق تمكن من انتزاع اللقب الشتوي على حساب اتحاد العاصمة بسطيف، بعد أن فاز عليه بثلاثية مقابل هدفين، وهكذا عاد الحلم لكل الأنصار بإمكانية إحداث هذا الفريق للمفاجأة وإنهاء البطولة ضمن الفرق الأوائل على الأقل. ثنائية تاريخية ثانية كانت أجمل هدية للأنصار واصل ''النسر الأسود'' تألقه رغم بعض العثرات والنكبات التي تعرض لها، خاصة أمام شباب بلوزداد ومولودية وهران بسطيف، إلا أن التشكيلة تمكنت من كسب ورقة المرور للدور النهائي لكأس الجمهورية، بعد تجاوزها عقبة اتحاد الحراش بسطيف، ومع تضييع نقاط البطولة في مباراتي شباب باتنة ووداد تلمسان، ما جعل الأنصار يشككون في قدرة الفريق على التتويج بالكأس التاسعة، بعد أن تيقنوا بأن لقب البطولة قد ضاع من الفريق بصفة مؤكدة ونهائية، إلا أن الوفاق تمكن من انتزاع السيدة الكأس من الشباب وإهدائها إلى كل الأنصار، بمن فيهم المشككون، الأمر الذي جعل الجميع يهنئ هذا الفريق ولا يطالبه بالمزيد، بمن فيهم الرئيس حسان حمّار، الذي أكد، قبل جولات من نهاية البطولة، بأن الفريق حقق أكثر من الأهداف التي سطرتها الإدارة، وأنه سيلعب ما تبقى من منافسة البطولة بارتياح، وأن كل ما تبقى يدخل ضمن خانة ''الفائدة''، كما قالها الرئيس، الذي أكد بالمناسبة أنه لن يفرض ضغطا إضافيا على لاعبيه. رفاق مراد دلهوم تفاعلوا مع ثقة رئيسهم وأنصارهم وتمكنوا من تحقيق ثنائية لم يتمكن لاعبون كبار قبلهم من تحقيقها، على غرار التشكيلة الذهبية للوفاق خلال سنوات الثمانينات، والتي كانت تضم أسماء لامعة من أمثال عجيسة، زرقان، عصماني، ماتام، رحماني، سرار، برناوي، بن جاب الله عجاس ورحموني.. علما أن تشكيلة الوفاق للموسم الكروي 67/68 بقيادة اللاعب الكبير، عبد الحميد صالحي، ولاعبين ممتازين في صورة كوسيم، ماتام والحارس قعقع، الوحيدة التي حققت الثنائية وصنعت أفراح الآلاف من عشاق اللونين الأبيض والأسود.. المصاريف تصل إلى نصف ما كان يُصرف على النجوم وحتى مصاريف الإدارة على الفريق خلال هذا الموسم، بلغت نصف ما صُرف على الفريق خلال موسم 2009/2010 مثلا، الذي وصلت فيه المصاريف إلى حوالي 57 مليار سنتيم، فيما لم تتجاوز مصاريف الوفاق خلال هذا الموسم عتبة 29 مليار سنتيم بكامل الديون التي تم تسديدها، مع العلم أن البطولة بقيت منها مباراة واحدة، وهو ما زاد من قناعة الرئيس حسان حمّار، بأن النجوم قد يصنعون فرديات ولكنهم لا يشكلون فريقا منسجما ومتلاحما، كما كان عليه الحال هذا الموسم، وهو ما يؤكد نجاح السياسة المنتهجة، وضرورة الاستمرار في تطبيقها، وذلك لا يمر إلا عبر المحافظة على الركائز الأساسية لفريق، وكذا التشبث بالطاقم الفني بقيادة السويسري ألان غيغر الذي يعتبر المهندس الأول لنجاح الفريق هذا الموسم.