نزل تعليق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كالصاعقة على الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وكان ذلك مساء يوم الأربعاء الماضي في ندوة صحفية مشتركة بباريس. تحدث هولاند مطولا عما يراه حلا للحرب الأهلية في سوريا، مجددا الموقف الفرنسي الداعم للمعارضة والمطالب برحيل الأسد، قبل أن يعلق عليه نظيره الروسي قائلا: ''أذكركم بأن الأسد زار باريس أكثر مما زار موسكو''. فبهت الرئيس الفرنسي الذي وبعد أن تصبب العرق على جبينه وتلعثم لسانه، عقب بصعوبة فقال: ''أنا لست مسؤولا عن هذا لأنني لم أكن موجودا''. وبغض النظر عن الحكم الذي أصدره بعض المعلقين على تعقيب هولاند عندما وصفوه ب ''غير اللبق''، كونه أعطى الانطباع بأن السياسة الخارجية لباريس هي صنيعة أشخاص وليست خيار دولة، فإن السجال بين الرجلين أعاد بعض الحياة لذاكرتنا الميتة، وفتح أعيننننا على تاريخ فرنسي أسود في مد اليد للطواغيت ودعم أنظمته الدموية الفاسدة. ففرنسا ''المساواة'' هي التي منحت للعالم جلاد بوركينا فاسو بلاز كامباوري الذي ركب الحكم بعد انقلاب عسكري في 1987. وهي التي مكنت الزبانية بول بيا من قطع رقاب الكامرونيين. وهي التي فرشت البساط الأحمر للمعتوه القذافي. وهي التي وصفت بشار الأسد عندما زارها ب''الرئيس المتمدن''. وفرنسا ''الأخوة'' هي التي أخرجت إلى النور الطاغوت إياديما الذي سلب كرسي الرئاسة في الطوغو بعد قتله للزعيم سيلفانيوس أولمبيو، وهي التي سمحت ل''الفرعون'' عمر بانغو بأن يحكم الغابون أربعة عقود كاملة. وفرنسا ''الحرية'' هي التي صنعت ديكتاتور التشاد إدريس ديبي إيتنو، الذي تتلمذ في مدارسها الحربية. وهي التي أنشأت من العدم ذلك الشيء المسمى بوكاسا، الذي صدق أكذوبة باريس فراح يعلن نفسه إمبراطورا على دولة إفريقيا الوسطى المعدومة. وهي التي نفخت في السفاح الإيفواري غباغبو قبل أن تدير ظهرها له وتسلمه لمعارضيه مرتديا ملابسه الداخلية أمام مرأى من العالم ومسمع. وكما نرى، فإن قائمة أصدقاء فرنسا من الدمويين طويلة وعريضة لا تكاد مساحة هذه الزاوية تستوعبها، وإذا كانت في النهاية قد سلمت رقابهم للمقصلة، فإنها في البداية صنعتهم ولمعتهم ومنحتهم كل نياشين الشرعية، فقتلوا ويتموا ونهبوا. من حق فرنسا أن تنتصر لمصالحها، ومن حقنا ألا نصدقها عندما ترفع راية المبادئ والقيم. [email protected]