مركز تكاثر الحبّار يطلق 594 طائر في حضرة الأمراء! لا يمكن مراقبة كل الثروة الحيوانية ولا إحصاؤها في الصحراء الجزائرية، باعتراف مصالح الغابات، وتحديدا طائر الحبّار الذي لا يزال مهددا بالانقراض بسبب الصيد العشوائي و''المنظم'' من طرف أمراء الخليج الذين ''يقتسمون'' كلا من البيض وجنوب النعامة وغرداية والجلفة وجنوب الأغواط وبشار لتكون ''محمية'' أو ''إمارة'' خاصة بهم، لأسابيع يصطادون فيها الحبّار والغزال، بالاستعانة بالصقور لممارسة هواية الصيد والسياحة باسم ''أصدقاء الرئيس''. ويتملك سكان هذه المناطق الكثير من الحسرة والألم والغضب على ما آلت إليه مناطقهم ''المحمية'' بقوة القانون والمستباحة ليلا باسم غياب الرقابة. من أولاد جلال ببسكرة إلى الأبيض سيدي الشيخ بالبيض يتحدث السكان عن ''تواصل استباحة أمراء الخليج لطائر الحبّار''. وفتحت ''الخبر'' الملف الذي لا يزال يثير جدلا وضجة على المستوى المحلي في غياب أي رقيب أو حسيب، ولم تكن مهمتنا سهلة في ظل الكتمان والسرية التي يحظى بها الملف. في بسكرة التي تزامن تواجدنا فيها مع عقد ملتقى وطني حول الفساد وآلية معالجته، يتحدث سكان أولاد جلال عن دخول الأمراء الخليجيين الأراضي الجزائرية عبر منافذ المهربين، دون دفع رسوم الدخول أو العبور، ومن دون الخضوع للمراقبة الجمركية أو الأمنية، خصوصا في المناطق الواقعة على الحدود بين ولايتي بسكرة والوادي، لأجل اصطياد طائر الحبّار، اعتقادا منهم بأنه يطيل العمر ويزيد من القدرات الجنسية لمن يتناول كبده. ويقول الدكتور عمر أوداينية من جامعة بسكرة، والناشط في عدد من الجمعيات المختصة في حماية البيئة، إن ''أمراء الخليج يحصلون على الموافقة من جهات عليا، ولهذا لا يمكن التدخل على المستوى المحلي إطلاقا''. وأضاف ''لقد سبق في 1987 أن انتقمت الصقور الجزائرية من نوع ''العقاب'' من الصقور الخليجية ''الباز'' وتم الإبلاغ عن الأمر والمطالبة بفتح تحقيق وكأن الأمر مقصود وجريمة''. واعتبر بأن ''طيور الحبّار مهاجرة، وهي تنتقل من مجال واسع، يصل ما بين 500 إلى 600 ألف هكتار في المناطق السهبية والصحراوية، حيث تتكاثر منذ أن تم جمع بنادق الصيد من المواطنين الذين يملكون تسريحا أو لا يملكونه''. ويحذر المتحدث من استمرار اصطياد الحبّار، في منطقة أولاد جلال ومسعد والكحيلة وشتال وحوض الثعالب والمناطق السهبية، ما يهدد بانقراضها، حيث أصبحت أعدادها تقدر بالعشرات فقط. الأبيض سيدي الشيخ... تكاثر من أجل الصيد وفي صحراء البيض وتحديدا في الأبيض سيدي الشيخ يتحول الحديث عن الحبّار إلى نقاش يومي، خصوصا وأن صيده أصبح مفضوحا و''قانونيا''، بحسب سكان المنطقة، الذين ينبهون إلى مسألة تتعلق بتربية وتكاثر هذا الأخير، وإطلاق العشرات من طائر الحبّار في الطبيعة بلا حماية لتمكين الأمراء من صيده. ويقول مدير محافظة الغابات بالبيض السيد عكاشة جديد إن ''لا قوة لنا كمحافظة غابات لمنع صيد الحبّار في الصحراء، لأن الصيد غير الشرعي عادة ما يتم خارج أوقات عملنا، كما أننا نفتقد أصلا لوسائل وإمكانيات المتابعة على اعتبار أن صحراء البيض شاسعة''. الأكثر من هذا، لا تتوفر محافظة الغابات على أي أرقام بخصوص الصيد غير الشرعي الذي يقع، وتتوفر بريزينة التي ينتشر فيها الحبّار على 3 أعوان من محافظة الغابات، ولا يتعدى عدد نفس الأعوان الستة في الأبيض سيدي الشيخ، من دون الحديث عن غياب السيارات الرباعية اللازمة. ويعترف نفس المسؤول بأن ''قدوم أمراء قطر والسعودية والخليج عموما يتم على مستوى عال في الدولة''. ويضيف بالحرف الواحد ''ولهذا فنحن ليس لدينا أي فكرة عنه والصيد غير الشرعي يتم في إطار هذه الزيارات''. ويقول السيد عكاشة جديد إن ''الصيد غير الشرعي للحبّار يتم خارج أوقات العمل ويتطلب إمكانيات كبيرة، وأنا لا يمكنني أن أغامر بإرسال أعوان محافظة الغابات إلى الصحراء التي تعد مناطق حدودية تنشط فيها شبكات التهريب وتجارة الأسلحة فذلك يشكل خطرا عليهم''. وتحصي محافظة الغابات بالبيض 73 عونا بمختلف الرتب، وهو ما دفع بالمعني إلى المطالبة بخلق مناصب عمل جديدة لحوالي 30 حارسا على الأقل، وتوفير 4 سيارات رباعية الدفع لمتابعة كل العمل. من جهته، يرى رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات بمحافظة الغابات الطيب عماري بأنه تم لأول مرة في العالم إطلاق أكبر عدد من طائر الحبّار في صحراء البيض، وتحديدا في منطقة الزبوج، في 20 سبتمبر 2011، حيث بلغ العدد 495 طائر. ومنذ أن تم إنشاء مركز الإمارات لتكاثر وتنمية طائر الحبّار بمنطقة دير سيدي الشيخ ببلدية الأبيض سيدي الشيخ في 2006، بهدف المحافظة على الطيور المهددة بالانقراض، وضع برنامج يقضي بإنتاج ألف طائر تكون جاهزة خلال ثلاث سنوات، لكن ذلك لم يتحقق فعلا. ويقول رئيس المصلحة إن المشروع أنجز على قطعة أرض في إطار الامتياز لصالح مركز الإمارات لتكاثر الطيور، وتم في موسم 2008 2009 جمع 280 بيضة. ويتهرب الكثير من الذين لهم علاقة من قريب أو من بعيد بملف الحبّار من الحديث، حيث يحظى الملف بالسرية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بزيارة الأمراء الإماراتيين للبيض. حلال عليهم... ولم تعد الصحراء الجزائرية تستقطب أمراء الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية والقطريين من باب السياحة فقط، بل أصبحت تتم باسم مراسلات رسمية بين البلدين، وتمر مباشرة على رئاسة الجمهورية. وتشير المراسلات الرسمية التي يتحدث عنها من عملوا في مجال توفير الحماية لهؤلاء الأمراء، بأنه ''لا يكتب في المراسلة الرسمية جنسية هؤلاء من قطريين أو سعوديين، بل يكتب مباشرة بأنهم أصدقاء الرئيس، أي رئيس الجمهورية''. وتشير المراسلات الرسمية بين أجهزة أمن البلدين إلى أن الموافقة على دخول الجزائر تتم أيضا من دون استخراج تأشيرة. ويقول أحد العاملين في توفير الحماية للأمراء ''كل شيء يتم في البيض بتوفير التحضيرات اللازمة لاستقبال الوفود، حيث يتراوح عدد الأشخاص في كل وفد بين 15 و20 شخصا، وتحط الطائرات الخاصة بالأمراء في مطار البيض الذي يبدو أنه شيّد خصيصا لتحط طائرات هؤلاء دون غيرهم من الجزائريين''. وتكون الطائرة محمّلة بكل لوازم الصيد والتخييم، حيث يقول مرافقنا إلى الأبيض سيدي الشيخ ''حتى الحطب المخصص للشواء يتم جلبه، ويتم استقدام عدد من الحراس والخدم ومن يعتنون بالصقور التي تصطاد الحبّار''. الغريب في الأمر أن الرفض الذي يقابله السكان المحليون في الأبيض سيدي الشيخ لهؤلاء الأمراء، لم يكن من العدم، ولا يتوقف على رفضهم بالمبدأ أن يتم ''استباحة الثروة الحيوانية النادرة، بل بسبب أمور تتعلق بحوادث مست شرف العائلات في وقت مضى، ويقف لها بالمرصاد كل العقلاء والشباب اليوم''. وتوفر الحماية لهؤلاء ليلا ونهارا، وينصبون خيامهم ويصطادون الغزال أيضا، ويكشف أحد مرافقي آخر وفد من الإماراتيين الذين حطت طائرتهم بالبيض بأن هؤلاء لا يجدون أي حرج في اصطياد الحبّار، ويستعينون بذلك بخريطة تسلم لهم رسميا وتبين المناطق التي يتواجد فيها الطائر بالتدقيق!''. ويستغرب محدثنا بقوله ''قدومهم في إطار السياحة لا يعد أن يكون مجرد واجهة، والصيد متواصل ولا أحد يتكلم، وتواجد مركز الإمارات لتكاثر وتنمية طائر الحبّار بمنطقة دير سيدي الشيخ لا يعدو أن يكون مجرد غطاء وتأشيرة لتمكين هؤلاء من القدوم''. إن الغاية من صيد طائر الحبّار هو كبده الذي يستعمل كمنشط للقدرة الجنسية، حيث إن هذه المادة تفوق فعاليتها بكثير الأدوية والأقراص التي ينصح بها الأطباء الرجال الذين يعانون من العجز الجنسي على وجه الخصوص. في حضرة الأمير والملك! لم يعد الأمر يتوقف على زيارة أمراء الخليج، بل يمتد إلى صيادين محترفين مغاربة، يقومون باختراق الحدود لاصطياد الحبّار، حسب مرافقنا ''عبد الله''، الذي يؤكد أن كبد الحبّار يعد الأكلة المفضلة للأسرة الحاكمة في المغرب ولضيوفها من الأمراء. وعن الطريقة التي يتم بها ذلك، يشير المتحدث إلى أن ''يغري المغاربة الصيادين بمبالغ ضخمة لجلب كبد الحبّار، ويتم اختراق الحدود الجزائرية المغربية نحو المناطق التي يتأكد تواجد الحبّار فيها، ليتم بعدها نزع الكبد من الطائر المصطاد ثم يحفظ داخل حافظات مجمدة أعدت لهذا الغرض، لتنقل بعد ذلك إلى مدينة الدارالبيضاء بالمغرب''. ويضيف المتحدث ''هناك في الدارالبيضاء توجد مصانع مجهزة بآخر التقنيات لتحليل وإعداد الكبد وتحضيره للاستهلاك، وهي نفس المصانع التي تعد الأكلة المفضلة لدى العائلة الملكية بالمغرب''. كما يتم في غالب الأحيان إرسال الحبّار عبر الطائرات الخاصة إلى أمراء الخليج تقربا منهم بالأكلات السحرية، التي تساعدهم على إنعاش ''شهوتهم الجنسية'' بطريقة طبيعية. وينتفض المتحدث قائلا ''ألا يكفينا تدميرا للثروة الحيوانية، فبعد أن انقرض طائر الحبّار في منطقة الخليج العربي بسبب صيده غير الشرعي من طرف الأمراء، يستبيح هؤلاء ما تبقى منه في الجزائر، وحتى الطيور التي يتم إطلاقها بعد تكاثرها في مركزي الأبيض سيدي الشيخ يتم اصطيادها أيضا، ما دام لم تجهز بأجهزة يتم من خلالها ترصد تحركها في الصحراء الجزائرية''. الغريب في الأمر أن كل ما يحدث لا يمكن فتحه للنقاش علنا، لكن الحملة الانتخابية الأخيرة، كانت الفضاء المناسب للحديث عن استباحة الثروة الحيوانية المحمية في البيض، ولم يرتفع صوت الرافضين أكثر من خيم وقاعات الحملات والتجمعات، لكن الأكيد أن الصورة التي حركتنا من أجل إنجاز هذا التحقيق والتي تداولها جزائريون عبر الأنترنت وتظهر سيارة رباعية علق على جوانبها طائر الحبّار والغزال الذي تم اصطياده، تعني أن السكوت مفروض بقوة القانون، لأننا في إمارة داخل جمهورية.. ز. ف
رئيس الصيادين كسال الحاج بوشي ل''الخبر'' صيد الحبّار متواصل ولن نتوقف عن محاربته يرى رئيس الصيادين، كسال الحاج بوشي، بالبيض، أن صيد الحبّار متواصل بطريقة غير شرعية ليلا ونهارا، وأن ملفا كاملا سلم لرئيس الجمهورية من أجل التدخل ووضع حد لهذه التجاوزات ضد الطائر المحمي. وأضاف في حوار ل''الخبر'' رغم مرضه، أن زيارة الأمراء الخليجيين تصل إلى حد القيام بأمور تمس بكرامة الجزائريين. هل لا يزال الصيد غير الشرعي ممارسة يومية في البيض بما يمس طائر الحبّار؟ الصيد في البيض لا يزال، سواء من طرف صيادين من داخل أو خارج الوطن، على الرغم من أنه ممنوع قانونيا منذ التسعينات. وكانت ولاية البيض تحصي 465 صياد، أغلبهم لا يحوزون على رخص الصيد ومنهم من توفي. وما يقوم به أمراء الخليج شيء فوق طاقتنا''. هل تحركتم على أعلى مستوى لوقف استنزاف أمراء الخليج لثروة الحبّار؟ اتصلنا بالوصاية وبرئيس الجمهورية الذي سلمنا له ملفا كاملا ووعدنا بدراسة الأمر. ولكن هذا شيء فوق طاقتنا ''الله غالب''. وكنا حضرنا في سبتمبر عملية إطلاق لطيور الحبّار من مركز الإمارات لتكاثر الطيور بالأبيض سيدي الشيخ، لكن الطريقة التي تمت بها العملية لم تعجبنا. لكن الجهات العليا تتحدث عن زيارات سياحية لأمراء الخليج وليس عمليات صيد؟ الصيد لا يزال يتم بطريقة فوضوية في الليل والنهار، كما يحدث ذلك حتى في فصل الربيع الذي يصادف موسم التكاثر. ونحن نقف ضد هذه العمليات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإذا كانت زيارتهم في إطار السياحة فلا دخل لنا، أما أن يأتوا للصيد فنرفض ذلك. ما الذي تقترحونه من أجل القضاء على الصيد غير الشرعي من أي جهة كانت؟ حتى تصبح للجزائر ثروة حيوانية وخاصة الحبّار يجب إعطاء الوسائل لفرق الدرك الوطني الخاصة المدعمة بطائرات مروحية، بالإضافة إلى رعاية جمعيات الصيد المحلية، ناهيك عن توعية الفلاحين والموالين بأهمية الطرائد وضرورة إشراكهم في الحفاظ عليها.