التّحقيق في مسألة صيام المسافر، أن يُقال: إذا شقّ عليه الصّوم مشقّة شديدة فلا يَصُم لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في غزوة الفتح صائماً فبلغه أنّ النّاس قد شُقّ عليهم الصّيام وأنّهم ينظرون فيما فعل، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشربه، والنّاس ينظرون، فقيل له: إنّ بعض النّاس قد صاموا، فقال: أولئك العُصاة، أولئك العُصاة رواه مسلم، وذلك أنّ المسلم يحرم عليه أن يأتي ما يجلب على نفسه الضرر لقوله تعالى: ''ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيماً''، وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''لا ضَرر ولا ضِرار''، فعليه أن يفطر ويقضي عدد الأيّام الّتي أفطرها عملاً بقول الله تعالى: ''فمَن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام أُخَر''، أمّا إن شقّ على المسافر الصّوم مشقّة غير شديدة فيكره له الصّوم، لما فيه عدم الإشفاق على نفسه وترك رخصة الله تعالى، وفي الحالة الّتي يشقّ عليه الصّوم، فله أن يفعل الأيسر عليه من الصّوم والفطر لقوله تعالى: ''يُريد الله بكم اليُسر ولا يُريد بكم العُسر''. وإن تساوى الصّوم والفطر عنده فالصّوم أفضل، لأنّه فِعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ''خرجنا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في رمضان في حرٍّ شديد حتّى إن كان أحدنا ليضع يدَه على رأسه مِن شدّة الحرّ، وما فينا صائم إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعبد الله بن رواحة'' أخرجه البخاري ومسلم. فالعِبرة إذاً بالسّفر مع مراعاة أحكام المشقّة المبيَّنة. وهذا نجده واضحاً في قوله تعالى: ''وأن تصوموا خير لكم''. والله أعلَم.