زمان كانت المساجد للعبادة ولاستراحة عابري السبيل من عناء السفر والمكوث به تحت رعاية الإمام أو الوكيل. وزمان أيضا كانت للمساجد حرمتها إذ كان المصلون يحافظون على نظافتها.. وكانت للمساجد في رمضان علاماتها الخاصة بها، فتزيّن بالأضواء والمصابيح وتعطّر بمختلف عطور العود والبخور. أصبح مشهد الدخول إلى المساجد والمصليات لأداء الصلاة مقلقا للكثير من رواد بيوت الله في شهر رمضان، بسبب الجثث الآدمية الممدّدة في أركانها وتحت أوتادها وفي ''السدة''.. باختصار في أي مكان يصل إليه هواء بارد. المشهد هو نفسه في أغلب مناطق القطر. ففي سطيف، يمتلئ المسجد العتيق المقابل لعين الفوارة الشهيرة عن أخره أوقات الصلوات ولا يفرغ بعد حيث بالكاد يسلم الإمام، حتى يرجع الكثير من المصلين إلى أجنحة المسجد للتمدّد. وغير بعيد عن عين الفوارة، وتحديدا في عين آزال، يتكرر المشهد في مسجد الإمام الشافعي إلى درجة أنه من الصعوبة بمكان إيجاد مكان للصلاة بالنسبة للمصلين المتخلّفين. ويقول مواطنون في وهران أن مسجد الفلاح في حي المدينةالجديدة، قلب المدينة التجاري، يعرف نفس الظاهرة طيلة أيام السنة، وتزداد حدة في شهر رمضان. السيد محمد.د يصف المشهد فيقول ''الجميع نائم لا مكان للوقوف للصلاة''. مشيرا إلى أن هذه الظاهرة تعيشها أكثرية المساجد الواقعة في المدينة. أما في العاصمة، فإن الظاهرة لم تكن يوما غريبة عن بيوت الله، حيث يشتهر الجامعان الكبير والجديد بها، حيث بات سلوكا غير غريب عنهما طوال أشهر السنة، والسبب هو تواجدهما في قلب العاصمة التي تعج بالمسافرين والوافدين إليها من مناطق داخلية لا يجدون أو يعجزون عن توفير المال مقابل المبيت في فنادق أو حتى حمامات مثلما كان الحال عليه سابقا. وتكاد مدينة تلمسان تصنع الاستثناء بالنسبة إلى هذه الظاهرة، حيث تعمد اللجان الدينية طيلة أيام السنة على غلق أبواب المساجد والمصليات بعد انتهاء الصلاة مباشرة. لكن لماذا يلجأ المواطنون والصائمون للنوم في بيوت العبادة التي وجدت للصلاة والدعاء والذكر وملاذ آمن لعابري السبيل والغرباء. السبب أنه في رمضان، المتزامن منذ سنوات مع فصل الصيف والحرّ الشديد، يبتعد الكثير من الصائمين من ضوضاء الشارع والأسواق، ويفرّون من ضيق المنازل وصراخ الأطفال وأبناء الجيران وكثرة طلبات الزوجات وربات البيوت. وبالنسبة إلى البعض، فإن المكوث في المساجد، نهار رمضان، كان للذكر وتلاوة الأوراد اليومية وحفظ القرآن، لكن مع مرور السنوات تحول الذكر إلى نوم عميق والمسجد إلى فندق في النهار لمن ضاقت بهم المنازل والشوارع. نساء حوّلن المساجد إلى فضاءات للسمر ولعب الأطفال يكفي أن تلج القسم المخصّص للنساء داخل بعض مساجد الجزائر العاصمة وغيرها لتطّلع على غرائب تحدث يوميا أثناء صلاة التراويح، حتى أن بعض من التقينا بهن من المصليات أكدن أنهن فضلن هذه السنة الصلاة بالبيت عوض التواجد ببيوت كان من المفروض أن يذكر فيها اسم الله فقط، لكنها تحوّلت إلى أماكن للسمر ولعب الأطفال. يتراءى لك وأنت تدخل مسجد ''التقوى'' بحي ''نيلسون'' بباب الوادي خلال صلاة التراويح أنك في قاعة حفلات، حيث أن الطابق الأسفل للفتيات والنسوة اللواتي يأخذن معهن صغارهن حتى يتراءى لك أنها روضة أطفال، إذ تصطحب كل مصلية طفلين على الأقل للمسجد، كما لا تنسى أن تأخذ له لعبه المفضلة ليتلهّى بها داخل المسجد، في حين خصّص الطابق الأول لكبيرات السن وما يميّزه أنه مصطف بكراسي حتى يتراءى لك أنك في قاعة حفلات، والسبب راجع لعدم قدرة العجائز على الوقوف لمدة طويلة أثناء الصلاة، وهو ما يخلق جوا مشجعا على السمر وتبادل الأحاديث حتى أن بعض المصليّات هدّدت المتحدّثات قائلة ''اسكتوا ولا روحوا للجنينة''. زلابية وقلب اللوز لتحلية ''التراويح'' وتحرص بعض النسوة وخاصة كبيرات السن منهن على قصد المساجد في وقت مبكّر حتى يتسنى لهن الظفر بأماكن ''استراتيجية''. وعن هذه المسألة شهدت إحدى المترددات على مسجد ''الرحمة'' بشارع خليفة بوخالفة بالجزائر العاصمة، أن أخاها الذي يتردد على نفس المسجد في صلاة المغرب، أكد لهم أنه عند خروجهم من الصلاة يصادف أولى النسوة القاصدات للمسجد لأداء صلاة التراويح، واللواتي يقصدن المكان مبكرا قصد الظفر بأماكن قريبة من جهاز التبريد اتقاء للحرّ. كما أضافت محدثتنا أن المصليات يصطحبن معهن قارورات الماء البارد لإرواء العطش، ومنهن من تجلب الزلابية وقلب اللوز وحلويات لتحلية التراويح حسبهن.. بينما الكثير من النسوة يعتبرن أن صلاة التراويح ''خرجة'' تروّح بها عن نفسها خاصة وأنها تجمعها مع صديقاتها من نساء الحي. الشيخ شريف قاهر ل''الخبر'' النوم في المساجد ظاهرة سيِّئة جدًّا شدّد فضيلة الشيخ محمد الشريف قاهر، عضو المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس لجنة الفتوى، على أنّ النوم في المساجد ''ظاهرة سيِّئة جدًّا جدًّا، لا تليق ببيوت الله ومكانتها، قال الله سبحانه وتعالى ''في بيوتٍ أَذِنَ اللهُ أنْ تُرفَع وَيُذْكَرَ فيه اسمُهُ''. أكّد الشيخ قاهر أن بيوت الله ينبغي أن تُحترم وأن لا يدخلها الإنسان إلاّ على طهارة ووضوء. مشيرًا إلى أنّه إذا دخلها ينبغي أن يعرف أنّه دخل إلى بيت الله، لأنّ الله تعالى يقول ''وأنّ المساجد لله''، منبّها أنّ القاصد بيت الله هو ''ضيف إلى الله تبارك وتعالى''. وأوضح رئيس لجنة الفتوى بالمجلس الإسلامي الأعلى أنّ إضافة المساجد إلى الله هي إضافة تشريف لقوله تعالى ''وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا''، لذا اعتبر الشيخ أنّ ''ما نشاهده في بيوت الله من نوم ومَدِّ أرجُل وإدخال صبيان وكثرة كلام فيما لا يعني، هذا كلّه من قلّة الأدب مع الله تبارك وتعالى ومع الّذين يُصلّون ويذكرون الله قيامًا وقعودًا''. وأضاف أنّ المساجد ''لم تُبنى للنوم ولا للكلام غير الصالح وغير المفيد''. واستنكر الشيخ ظاهرة مَدّ الأرجل في المساجد وقال ''كثيرًا ما نرى رجالاً يمدّون أرجلهم ويعترضون طريق الداخلين إلى المسجد لأداء الفريضة والعبادات''. مشيرًا إلى أنّ ''الإنسان عندما يدخل إلى بيت عزيز عليه أو صديق ينبغي له أن يحترم صاحب البيت، إذ من قلّة الأدب أن يجلس في بيت صديقه ويمُد رجليه'' وأضاف ''هذا في حقّ البشر، فما بالُك بالله تبارك وتعالى الّذي يجب أن يُعظّم ويُشكَر ويُحمَد وأن يتلطّف وأن لا يرفع صوته ولا يؤذي مَن يجلس بجانبه سواء كان قائمًا يُصلّي أو يتلو كتاب الله أو يذكر الله تعالى أو يُصلّي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم''. الجزائر: عبد الحكيم قماز وزارة الشؤون الدينية النوم في المساجد ظاهرة صيفية قال المستشار الإعلامي لوزارة الشؤون الدينية، عدة فلاحي، أنه لا مانع من النوم في المساجد، ولكن ليس بطريقة تسيء لحرمة المسجد. وذكر فلاحي في تصريح ل''الخبر''، أن مسألة النوم في المساجد أصبحت ظاهرة صيفية لارتباطها بتوفر المكيفات الهوائية. وأوضح فلاحي أنه لا يمكن مراقبة من يدخل أو يخرج من بيوت الله. ولكن في كل الحالات يبقى ما يسمى احترام آداب المسجد المنصوص عليها في السنة النبوية هو الفاصل، فإذا شعر الصائم بالتعب أو الإرهاق في فصل الصيف، وخاصة في الفترة ما بين صلاة الظهر والعصر، يكون النوم هنا مباحا لأخذ قسط من الراحة، مع التحكم في النوم، أي لا ينام إلى حد الشخير فيزعج المصلين. كما أبرز أن بعض كبار السن أو المرضى معذورين، ويجب معاملتهم معاملة خاصة وتثقيفهم عن طريق القيم أو الإمام. الجزائر: رزيقة أدرغال