يتضاعف إقبال الناس على المساجد بشكل ملفت للإنتباه بمجرد حلول شهررمضان، هذا الإقبال الواسع جلب معه ظواهر سلبية أساءت لحرمة المسجد وقدسيته، فحرارة الصيف الشديدة وساعات الصيام الطويلة تدفع بالآلاف من الجزائريين للجوء للمساجد لتجنب لفح الحرارة وأخذ قسط من الراحة، من خلال الخلود للنوم داخل المساجد ما جعلها تتحول إلى مراقد جماعية. ظاهرة النوم في المساجد انتشرت وبسرعة كبيرة في الآونة الأخيرة، الأمر الذي دفع بالكثير من أئمة المساجد إلى التحذير من انتشارها من خلال حملات توعية هدفها محاربة هذا السلوك خشية أن تتحول المساجد إلى مراقد وغرف نوم للمصلين الذين يتدافعون إليها فردى وجماعات، كما جرى العمل به في سنوات فارطة. شيوخ وكهول وشباب يحجون إلى بيوت الله لقضاء القيلولة في جولة قادت “السلام” إلى بعض المساجد حاولنا من خلالها معرفة مدى انتشار هذه الظاهرة الخطيرة التي حوّلت مساجد الجزائر إلى فنادق، يلجأ إليها الباحث عن الراحة والنوم تحت المكيّفات الهوائية بدل من العبادة والذكر، حيث لايكاد مسجد يخلو من عشرات النائمين يوميا ومن مختلف الأعمار شباب وكهول وشيوخ طامعين في إزاحة القليل من ساعات صيام نهار طويل حار وشاق، خاصة وأن المساجد تتوفر على مكيّفات هوائية ومراوح تجعل من هواء المساجد عليلا. بداية جولتنا كانت من مساجد عين النعجة، وبضبط من مسجد “الرحمن” حيث فضلنا أن نستبق صلاة الظهر للوقوف على مدى إقبال المصلين على المسجد، وبمجرد دخولنا لمحنا وجود العشرات من المواطنين مضطجعين في جنبات المسجد،منهم من هو ممدود على يمينه والأخر على شماله، وهذا بالرغم من أن صلاة الظهر يفصلنا عنها قرابة الساعة إلا أن المسجد غص بجموع النائمين الممدودين تحت المكيفات الهوائية، ووصل الأمر بالبعض منهم إلى حدّ الشخير دون مراعاة حرمة المسجد. في سؤال طرحناه على أحد المصلين وهو بائع في سوق الخضروات المجاور لمسجد الرحمن، أجاب قائلا “ليس من عادتي النوم في المسجد لكني أحبّذ أخذ قيلولة بعد صلاة الظهر، خاصة وأني أعمل بائعا للخضر والتعب والصيام ينال منّي كثيرا، لذلك أفضل أخذ قسط من الراحة”. ذاك نفس ما ذهب إليه “محمد” الذي أكد لنا أنه متعود على أخذ قيلولة بعد صلاة الظهر، والبقاء في المسجد إلى ان يحين وقت صلاة العصر وذلك بسبب الحرارة الشديدة في الخارج، وحجّته في ذلك هي عدم امتلاكه مكيّف في البيت، لذا يستغل فرصة تواجده في المسجد للظفر بساعات من الإنتعاش والراحة. النوم يصل الى ذروته بين صلاتي الظهر والعصر خلال جولة “السلام” الاستطلاعية عبر بعض مساجد العاصمة، اكتشفنا أن نزوح العديد من المواطنين إلى المساجد للنوم يزيد في الفترة ما بين صلاتي الظهر والعصر، ومردّه أساسا هو الهروب من لفحات الشمس الحارقة التي تزداد بشكل كبير في هذه الفترة بالذات، لذلك يفضل العديد من المصلين الذين التقينا بهم الخلود إلى النوم والاستلقاء داخل المساجد المكيّفة. هذا ما وقفنا عليه في المسجد الكبير بساحة الشهداء، الذي امتلأ مباشرة بعد صلاة الظهر بالنائمين ومن كل الشرائح العمرية الذين سارعوا مباشرة للاستلقاء من أجل التمتّع ببرودة المكان، ومن جهة أخرى فضّل قليل من المصلين تلاوة ما تيسّر من كتاب الله. في هذا الصدد، أكد “ياسين” أحد الشباب المتطوعين في خدمة المسجد الكبير وهو أيضا من المواظبين على الصلاة فيه، أنّ المسجد منذ الأيام الأولى لرمضان يعرف تناميا كبيرا لظاهرة النوم داخله خاصة في فترة الظهيرة، أين تشتد الحرارة وتصل إلى ذروتها. في السياق ذاته، أكّد ياسين أنّ المسجد الكبير يعرف توافد العشرات من التجار الذين يمارسون نشاطهم التجاري بمحاذاة المسجد من تجار سوق ساحة الشهداء، بالإضافة إلى توافد كبير لعابري السبيل من عمال وبطالين وشيوخ كلهم يقصدون بيوت الله لقضاء فترة القيلولة، خاصة وأن المساجد مفتوحة ليلا ونهارا وهذا بعد التعليمة الأخيرة الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والتي تلزم فيها الأئمة بإبقاء المساجد مفتوحة خلال رمضان ليلا ونهارا، حتى يتسّنى للمواطنين التعبّد والصلاة وقراءة القرآن. الغفوة مسموحة شريطة عدم تحولها إلى نوم عميق خوفا من تحويل المساجد خلال شهر رمضان إلى مراقد، يتوافد إليها المصلون لأخذ قسط من الراحة طيلة أيام رمضان، عمدت مصالح غلام الله، إلى إصدار تعليمة للقائمين على المساجد تقضي بمنع هذه الظاهرة. في هذا الشأن، أكّد عدّة فلاحي، المستشار الإعلامي بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، في تصريح “للسلام” أنّ الوزارة الوصيّة قامت بتوجيه تعليمة للقائمين على المساجد تقضي بمنع كل مظاهر من شأنها المساس بقدسية وحرمة المساجد في رمضان خاصة مع استفحالها في الآونة الأخيرة بشكل رهيب. في الصدد ذاته، يؤكد فلاحي أنّ المساجد خصّصت للعبادة وليس للنوم، موضحا أنّ المصلي من حقّه أن يغفو قليلا لكن ليس بمعنى النوم العميق الذي قد تنجر عنه العديد من الأمور غير المحبذة، كالكلام بدون وعي، خروج الريح والشخير وهي من المظاهر التي تسيئ لبيوت الله.من جهة أخرى، أكد المتحدث ذاته أنّ المساجد ستظلّ مفتوحة وذلك طيلة شهر رمضان وفي جميع الأوقات أمام المصلين، موضّحا أنّ من حق كل مواطن الدخول إلى المسجد متى شاء وأخذ قسط من الراحة بعد أداء الفرائض الخمسة، خصوصا بالنسبة لكبار السن والمرضى، لكن دون الإفراط في النوم أو القيام بسلوكات منافية لحرمة بيوت الله.