أضحى اصطحاب الأبناء الصغار إلى صلاة التراويح، مشكلة تتعاظم في ولاية بومرداس في ليالي الشهر الفضيل، حيث تشهد مختلف المساجد المنتشرة بتراب الولاية إحضار أغلب النسوة لأبنائهن الصغار وحتى الرضّع، ما يؤدي إلى إزعاج المصلين، وانقلاب بيوت الله إلى روضات للأطفال بسبب البكاء والعويل والصخب والفوضى، ما قلب راهن مكان يُفترض أنّه بيت الوقار وفضاء هادئ للعبادة والقيام. على الرغم من الملاحظات الكثيرة التي يطلقها الأئمة في كل يوم والتي تتمحور حول ضرورة التزام هؤلاء النسوة بيوتهن للتكفل بأبنائهن الرضّع والصغار تبعا لمسؤولية التربية التي تقع على كاهلهن، إلا أنهن يتعنتن ويستمرن في التوافد على المساجد برفقة الأبناء، مما يؤدي إلى إزعاج المصلين وعدم تأديتهم مناسك العبادة على أكمل وجه لاسيما في جناح النسوة، وإذا كان الأمر نادرا ما يحدث في أجنحة الرجال، فإنّ مصليات النسوة انقلبت إلى أمكنة للبزنسة ومشاريع الزواج والتعارف.وما زاد الطين بلة هو مرافقة الأطفال ما أدى إلى حدوث فوضى عارمة، حتى أن هناك من قلب ساحة المسجد إلى مكان للركض واللعب بعد التقاء الأطفال فيما بينهم هناك، لتنشغل الأمهات بالتحادث دون ممارستهنّ أدنى رقابة على ما يفعله الأبناء، مما حوّل المسجد من مكان مقدس إلى شبه روضة للأطفال، على نحو مسّ في الوقت نفسه بسمعة المساجد كبيوت لله وجب احترامها من طرف من وطأها. إلاّ أنّ الواقع يكشف أنّ المساجد صارت مسارحا تضم العديد من المواقف المخجلة التي لا تليق البتة بتلك المواضع المقدسة على غرار التلاسن بين النسوة وحتى العراك أثناء الخروج، بالنظر إلى التدافع الحاصل والذي تدفع ثمنه المسنات اللواتي يوشكن على السقوط لولا ستر الله. والملاحظ أنّ مجموعة من النسوة تطأنّ المساجد وتفتقدنّ لثقافتها كاحترام آداب المسجد باعتباره مكانا للطاعة والصلاة والقيام والخشوع إلى الله تعالى، ولم يعهد في السابق أن تكون بعض مساجدنا على ذلك الحال وتدهورت حالتها مع مرور السنوات لتزداد سوءا مع حلول شهر رمضان بدل أن تكون مثالا في التنظيم وحسن التسيير. ولعلّ السبب في بعض السلوكات الصادرة خاصة من طرف النسوة الذين يرين أن المسجد هو مكان للتعارف والتلاقي وتبادل الآراء والأفكار، ليأتي هدف الصلاة والقيام في المرتبة الأخيرة بدليل المحادثة المستمرة والطويلة التي يطلقنها فيما بينهن، مما يؤدي بالإمام إلى تقديم ملاحظات متكررة بالنظر إلى الإزعاج الذي يسببونه للرجال، وحتى للنسوة ممن وطأن المسجد خصيصا للصلاة والخشوع. وتعزو النسوة حرصهن على مرافقة أبنائهن كل يوم لعدم وجود بدائل، معتبرات أنّ تركهم لوحدهم في المنازل محض مخاطرة خاصة وأنهم صغار، مفضلات العواقب السلبية لجلبهم إلى المساجد، وإزعاج المصلين في شعور صار يشتكي منه الكل لاسيما في شهر التعبد والمغفرة. ويذهب قطاع من المتابعين إلى أنّ تلك النسوة ليست ملزمات بالقدوم إلى المساجد، طالما أنّ الصلاة لم تفرض وجوبا على بنات حواء هناك، أضف إلى ذلك الإزعاج الحاصل والمنجر عن مرافقة الأطفال معهن إلى المساجد، وكان من الأولى التزام بيوتهن وتربية أطفالهن وليس هناك أي مانع يمنعهن من الصلاة والقيام ببيوتهن، فذلك أحسن لهن ولغيرهم من المصلين لرفع الإزعاج والغبن عنهم. وأصبح تواجد الأطفال بالمساجد عند صلاة العشاء وعقب صلاة التراويح، ظاهرة عادية لصبية يلعبون ويصرخون ويبكون ويتجولون بين المصلين ويثرثرون، وتحولت مع مرور الوقت إلى صفة تميز الشهر الفضيل وبحكم التعود عليها لم يعد البعض يوليها أهمية بما في ذلك بعض الأئمة، بين مؤيد ومعارض لوجود الأطفال بالمساجد وضرورة بقاء النسوة ببيوتهن، باعتبار أنهن المسؤولات عما يسببه الأطفال من فوضى بالمساجد. وعلى الرغم من الملاحظات الكثيرة التي يبديها معظم الأئمة قبل الشروع في صلاة العشاء وكذا صلاة التراويح فيما يخص الامتناع عن جلب الأطفال إلى المساجد، لما يحدثه هؤلاء من فوضى وتشويش على المصلين الذين يقصدون بيوت الله بحثا عن الخشوع وبغية الاستفادة مما يقدم بها من دروس، إلاّ أنّ هذه الملاحظة لا تؤخذ بعين الاعتبار عند عدد كبير من المصلين، لاسيما النسوة اللواتي، على الرغم من اقتناعهن بأن صلاة المرأة غير واجبة بالمساجد، إلا أنهن تقدمن على جمع كل أبنائهن والتوجه إلى المساجد لأداء صلاة التراويح وكأنها بالنسبة لهن فرض واجب.وحول الدافع وراء ذلك، قالت إحداهن أنها قلما تذهب للمسجد في الأيام العادية لأداء الصلاة به ونظرا لما للشهر الفضيل من روحانية، تُحب الذهاب إليه لأداء صلاة التراويح والاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم. ولأنها لا تستطيع ترك أبنائها بالمنزل بمفردهم لصغر سنهم، تضطر إلى اصطحابهم معها، إلا أنه يصعب عليها التحكم في سلوكهم بسبب كثرة الحركة.بينما جاء على لسان مواطنة أخرى أنه على الرغم من معرفتها المسبقة بما يسببه طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات من فوضى بالمسجد، إلا أنها تحاول في كل مرة التحكم في سلوكه حتى تتمكن من تأدية صلاة التراويح بالمسجد، كما أنها تعتبر الصلاة بالمسجد في شهر رمضان ذات خصوصية، لذا ترغب في التمتع بها وتضرب ببعض الملاحظات التي توجه إليها نتيجة لما يحدثه ابنها من فوضى عرض الحائط. في المقابل، نجد أن بعض النسوة من اللواتي يقصدن المسجد بمفردهن يعربن عن غضبهن من التصرفات اللامسؤولة لبعض النسوة اللواتي يجلبن أطفالهن إلى المساجد ثم لا يكترثن لتصرفاتهم وينشغلن بالثرثرة، وهو الأمر الذي دفع بإحداهن إلى تغير المسجد، حيث قالت ‘'أعرف أنّ صلاة المرأة بالمسجد غير لازمة، ولكن بحكم أني لا أملك أي التزامات وبحثا عن الخشوع والاستماع إلى ما يقدم من دروس، أحب الصلاة بالمسجد خاصة في رمضان، إلا أن تحول بعض المساجد إلى رياض للأطفال، جعلني أغير المسجد الذي أصلي به هروبا من ضجيج الأطفال وبحثا عن مسجد يقل فيه عدد الأطفال''. أما أخرى فقررت التوقف عن الصلاة بالمسجد، بعد أن بات عدد الأطفال المتوافدين على المسجد في تزايد مضطرد، حيث قالت ‘'كل امرأة تقصد المسجد تأتي على الأقل بطفلين أو ثلاثة، ولأني لم أعد قادرة على التركيز لكثرة حركة الأطفال وثرثرتهم، قررت الصلاة بالبيت فعلى الأقل أحاول الخشوع وأركز في ما أقوله بصلاتي''.في هذا الصدد يقول أحد الأئمة بأن ظاهرة اصطحاب الأطفال إلى المساجد موجودة على طول السنة، إلا أن المصلين ينتبهون لوجودها برمضان، لأن المصلي يطيل المكوث بالمسجد لقراءة القرآن ولأداء صلاة التراويح التي تحب النسوة أداها بالمساجد، مما يترتب على ذلك تواجد عدد كبير من الأطفال.حيث ينصح المتحدث ذاته النسوة اللواتي يربين الالتزام بالصلاة في البيوت عوض القدوم إلى المساجد، والتسبب في إزعاج المصلين نتيجة لصراخ الأطفال أو بكائهم، وعلى الرغم من أنها غير آثمة إن حدث واصطحبت أبنائها إلى المسجد، إلا أنها لا تحصل على الأجر كاملا بحكم انشغالها بهم، وبالتالي فقلبها غير متعلق بالصلاة بقدر ما هو معلق بما يفعله الأبناء، وبرأي -يضيف المتحدث- أن السن القانونية التي ينبغي فيها اصطحاب الأطفال إلى المساجد هي سن العاشرة، أين يصبح الطفل مميزا وإن حدثناه يفهم ويمكنه أن يجيب.وحول استهجان البعض للحال الذي آلت إليه بعض المساجد نتيجة التواجد الكبير للأطفال بها وما يسببونه من فوضى، دعا الإمام إلى النظر للظاهرة من جانبها الإيجابي، حيث قال ‘'أظن كإمام تواجد الأطفال بالمساجد خاصة في رمضان ليس بالأمر السلبي إلى هذا الحد، ولأننا لا نستطيع أن نمنع الأطفال من دخول المساجد، أعتقد أن تواجد الأطفال ببيوت الله، مسألة محببة لأن ذلك من شأنه أن يحببهم بالمساجد، وهو أمر مطلوب، خاصة في ظل الظروف التي نعيشها أين طغى عليها الغزو الفكري والإعلامي والتبشير المسيحي، لذا، يقول المتحدث إنه على العكس ينبغي أن ندفع بالأطفال إلى المساجد ونحث الأولياء على ضرورة تنبيههم بما ينبغي أن يتقيدوا به من تعاليم، وأن يحرصوا على توفر الشرطين اللذين تحدثنا عنهما سالفا وهما عدم تتسبب الأطفال في التشويش على الصائمين كأن يترك الأطفال بساحات المسجد.