كما في السنوات الماضية، لم تسلم الأسواق والمراكز التجارية، كبيرة كانت ام صغيرة، راقية كانت ام شعبية، من تهافت الأولياء، حيث تحولت الى قبلة الصائمين الذين تخلى الكثير منهم عن صلاة التراويح مرغمين وانطلقوا للبحث عن ما تبقى من ألبسة وأحذية للأبناء والزوجات. مع كل عيد فطر تتكرر المشاهد، متأخرون بسبب تأخر صرف رواتبهم الشهرية والكثير منهم ''مش لاحقين'' ماديا لتوفير تكلفة إفطار أسبوع واحد من رمضان بسبب الغلاء، وهم دائما الذين يدفعون ثمن وضعيتهم أضعافا مضاعفة من أوقاتهم وصحتهم وبقايا مصروف الشهر. وكثير منهم من يلجأ الى الاستدانة من الأصدقاء والأقارب ومن المؤسسات التي يعملون بها في شكل تسبيقات على الراتب للتوصل لتغطية مصاريف العيد. وفي كل عام نسمع نفس الكلام، الاسعار مرتفعة و''السلعة ماكاش''، لتتحول فرحة العيد الى مناسبة للتوتر والخصام بين الازواج وزوجاتهم اللواتي لا يسئمن من الالحاح بالتنقل الى عدة احياء في ليلة واحدة تحت شعار ''حنا كي الناس''. ما يميز ليالي العشر الاواخر في كامل أنحاء الجزائر، الازدحام الشديد في الشوارع، والفوضى والسرقات ايضا، فكلما كثرت حركة السيارات والراجلين، كثر اللصوص والمنحرفون، الذين رصدت لهم مصالح الأمن مئات من اصحاب الزي الازرق لكف ايديهم عن المواطنين الآمنين. وفي السياق ذاته، أنزلت مصالح أمن العاصمة تعزيزات اضافية للأماكن التي تعرف حركة كبيرة للمواطنين، على غرار احياء بلكور، الحراش، ميسونيي، في إطار إعادة نشر ما لا يقل عن 5 آلاف شرطي بجميع الرتب في إطار المخطط الأمني لرمضان، سخروا لضمان سلامة المواطن. أسعار مضاعفة ولا يجد رب الأسرة المسكين أي سبيل للهروب من طلبات زوجته وابنائه الكثيرة.. فالعيد مرة في السنة والجميع مضطر للشراء، لأن المدارس على الأبواب، تقول إحدى السيدات لزوجها المتصبب عرقا بمركز أريج التجاري بدرارية. لا مكان في درارية للسيارات للتوقف، فأصحاب الزي الأزرق (الشرطة) بالمرصاد بعدما وزعوا بكثافة في نقاط تمركز محلات بيع الالبسة.. نفس المشهد يمكن مشاهدته في حي الابيار الذي غرق في الظلام، ما دفع العديد من التجار إلى غلق محلاتهم لتجنب السرقة..التي يكون أبطالها في كثير من الحالات من النسوة حسب احد التجار الذي جهز محله بكاميرات لمراقبة الزبائن. اثواب وأقمصة تصنع الطلب وحيثما رحلت فإن اذواق الجزائريين متشابهة.. الكبار يفضلون اثواب الصلاة مثل ''إكاف'' و''الدفة'' و''الحرمين'' السعودية، والزي المغربي والإماراتي والعماني. وللنساء العباءات والجلابات المغربية، في حين قل معروض الجبة الشامية (السورية) التي تركت محلها للجبة التونسية. ولا يتردد أرباب الأسر في كسوة أطفالهم ب''الاقمصة'' و''البابوش'' لكسر الروتين. وفي مدن سكيكدة، وسطيف وتلمسان ووهران، وغرداية المشهد نفسه كأنه صورة طبق الاصل عن الصورة في العاصمة، حيث يهيمن المنتوج الصيني والتركي على معروض الالبسة بشكل لافت للانتباه وبزيادة في الاسعار لا تقل عن 50 بالمائة مقارنة عن العام الماضي. بل إن العديد من التجار اخرجوا سلعهم الكاسدة من السنة الماضية وأدمجوها مع جديد هذا العام. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وصل سعر العباءة النسائية أو ما يطلق عليه ب''المنصورية'' إلى 12 ألف دينار على الأقل، ويتفنن الباعة معروضهم من لباس، بعدما كان هذا النوع من السلع حكرا على المنتجات السورية، فيما تعرض إلى جانبها المنتجات المحلية التي تتراوح أسعارها بين 4 آلاف و8آلاف دينار، فيما تراوح سعر الطقم الكلاسيكي النسوي بين 7 آلاف و20 ألف دينار حسب النوع. ويكلف شراء طاقم لباس كامل للطفل والحذاء وبعض مستلزمات الزينة خاصة للفتيات ما يزيد عن 6 آلاف دينار، وهو ما جعل بعض العائلات البسيطة عاجزة عن شراء الملابس لأطفالها، خاصة وأنها تربي أزيد من 3 أطفال، فيما ارتفعت أسعار سراويل الجينز التي تعددت أنواعها، لتتراوح بين 3آلاف و6آلاف دينار للسروال. وفرة وأسعار ملتهبة ! ومع ذلك، تبقى ميزة عيد هذا العام في وفرة الالبسة بمختلف أنواعها، بسبب فتح الباب أمام تجار الالبسة الجاهزة بالجملة أو التجزئة للاستيراد، وهؤلاء بطبيعة الحال يختارون الصين وجهتهم المفضلة.. وقلة هم الذين يختارون تركيا. ومع ذلك، فإن ما هو موجود من مراكز ومحلات كبرى لا يكفي لتلبية الطلب المرتفع في مناسبات الأعياد. وهو ما يمكن الوقوف عليه في العاصمة مثل ''ارديس'' و''باب الزوار سنتر'' أو ''فاميلي شوب'' في البليدة. ورغم أن أغلب الأسر، لجأت إلى شراء ملابس العيد لأبنائها قبل حلول رمضان، تفاديا لالتهاب الأسعار، من جهة وارتفاع درجات الحرارة من جهة أخرى، إلا أن المحلات والمجمعات التجارية ضاقت بما رحبت، ليبقى الإقبال كثيفا رغم الارتفاع الكبير في الأسعار.