مات الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر وفي نفسه شيء من الصدمة النفسية التي سبّبها لأسرته، وهو في سن السابعة. إذ يذكر أنه أخذ إلى الحلاق ليقص شعره الطويل الأشقر الملتوي الذي يغطي وجهه. وعندما عاد إلى البيت كانت الصدمة الكبرى. إذ ظهر في الشكل الذي أبت أسرته، منذ زمان، الاعتراف به: ولد بشع وأحول. لقد خيّم الحزن على البيت، وانزوت والدته في غرفتها لتبكي في صمت. القليل من يتذكر سارتر اليوم يتوقف عند بشاعة وجهه. لقد استطاع بعبقريته أن يحول ما أحزن أسرته إلى عنصر أساسي في شخصيته يجذب أتباعه والمتشيعين لفكره. لكن هل كل الأشخاص يملكون عبقرية سارتر لينسوا الناس ما فقدوه على مستوى الجمال؟ الإجابة عن هذا السؤال يقدمها عالم الاجتماع ''جون فرنسوا أماديو'' الذي قادته أبحاثه للتأكيد على أن الجمال عامل مسكوت عنه في إنتاج التفاوت بين البشر في مجال الحب، والتوظيف والارتقاء في السلم الوظيفي. وقد حاول الروائي السوداني، أمير تاج السر، الإفصاح عن هذا العامل في روايته الموسومة ''صائد اليرقات'' من خلال تلميحه إلى أن نقاد الأدب يتعاطفون مع الأديبات الجميلات وفق مبدأ ''مؤازرة الجمال''. فثارت عليه ثائرة بعض الأديبات العربيات. يؤكد أصحاب نظرية النسبية الثقافية أن الجمال مثل الذوق ليس شيئا فطريا. إنه تجسيد لمعيار ينتجه مجتمع ما أو ثقافة معينة. ولا يوجد جمال مستقل عن المعايير التي يكتسبها كل شخص من ثقافته أو الثقافة التي يُصقل فيها. فالصينيون، على سبيل المثال، يرون الأوروبيات ذميمات لأن عيونهن كبيرة ومفتوحة، وأنوفهن غليظة. بينما يرى زنوج القارة السمراء الأوربيات فاقدات الجمال لأنهن فاقعات وشاحبات. واللون الفاقع في مخيال الزنجي دلالة على السقم. وبناءً على التصور للجمال يتصرف البشر. فالمرأة الخليجية تنفق الكثير من الأموال لتبييض بشرتها. وتتجنب أشعة الشمس حتى لا تلامس بشرتها. أما الأوربيات فيدفعن الأموال للتعرض لهذه الأشعة حتى يتحول لون بشرتهن إلى برونزي. والموريتاني يرى المرأة الممتلئة، بل البدينة نموذجا للجمال. بينما تتضور الفتاة اللبنانية جوعا للحفاظ على نحافة جسمها واستقامته. وحتى النحافة في مجتمعنا تغيرت دلالتها خلال العقود الأخيرة. ففي الماضي كانت تدل على الوهن والمرض، أما اليوم فأصبحت تعبّر عن الرشاقة والجمال. وأصبحت وسائل الإعلام مصانع لإنتاج معايير الجمال تصقل الذوق وتعممه عبر المجلات الموجهة للمرأة، والأفلام وشرائط الفيديو كليب، والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والإشهار. وحتى لا نتجنى على المركزية الأوروبية ضمن التصور الشائع للعولمة، يمكن القول أن الأوربيات المفتونات بسحر الشرق يقصدن مراكز التجميل من أجل إطالة رموشهن، بينما تفضل الشرقيات الرموش القصيرة حتى يشبّهن الأوروبيات. لعل القارئ الكريم لاحظ أن بعض مؤسسات الإشهار، تستورد المادة الإشهارية من الخارج ولا تقوم سوى بدبلجة نصها اللفظي فقط، لتبثه في القنوات التلفزيونية المحلية معتقدة أن النص الإشهاري محايد. ويعترض البعض على هذا الفهم الساذج للإشهار لأنهم يرون في الصورة الإشهارية المقدرة على هدم معايير الجمال واستبدالها بأخرى، بشكل مستمر. فما كان يعد قبيحا في السابق يتحول إلى جميل أو العكس، كما هو شأن المودة. إن خطورة الإعلان تتجلى، أكثر، عبر تَمثُلنا للجمال والقبح. فالقبح اقترن في تراثنا بالشر والسوء واللؤم والغدر، بينما ارتبط الجمال بالخير والسماحة والطمأنينة والحب والثقة. فالإشهار يروم الاندماج في الحياة الاجتماعية وفي الثقافة إن لم يكن هو ذاته إنتاجا ثقافيا. ومعايير الجمال التي ينتجها تتسلع عبر التحفيز على الاستهلاك وتقيّم الأشخاص والمنتجات والسلع. وتهيكل علاقتنا بذاتنا وبالآخر، لذا فإن الميديا لا تقدم الجمال لذاته، بل تسجنه في أوهام، خاصة بالمودة، ومواد التجميل، وعرض الأزياء، ونظام التخسيس. وللأوهام لذة مكلفة، غير أن تقويضها أكثر كلفة كما يقول الفيلسوف نتشه.