''كول واش يعجبك والبس واش يعجب الناس'' شعار يرفعه الجزائريون في اتباع الموضة وآخر ما تطرحه دور الأزياء العالمية، حتى وإن كانوا من متوسطي الدخل يضطرهم ولعهم ب''الماركة'' إلى استنزاف كل ما يحصّلونه في شهر من أجل حقيبة، أو سروال جينز أو حتى حافظة نقود ''غريفا''. تشهد محلات الماركات العالمية إقبالا قياسيا من عشاق ''الغريفا'' التي يقبل عليها زبائن من مختلف أطياف المجتمع، حتى وإن تباينت مشترياتهم. فمن ميسور الحال الذي لا يغادر المحل دون صرف 50 ألف دينار مقابل بذلة أو حذاء وقميصا، إلى الموظف البسيط الذي يتقاضى أجرا زهيدا، أو ذلك الذي يحصل مصروفه بالمناسبات، فلا يجد مانعا في وضع مرتّبه أو ثلاث أرباعه على ''حبة مفقودة''، ولو أكمل الشهر بالاستدانة و''طبسي مقارونة''. وهو ما وقفنا عليه في جولة على محلات الماركات العالمية في العاصمة، انطلاقا من سيدي يحي، القبلة الجديدة لعشاق الموضة في العاصمة، إلى المركز التجاري لباب الزوار أو القبة وغيرها. فبالقبة القديمة توقفنا بعدد من المحلات التي تعرض الملابس الرجالية من ماركات عالمية معروفة، حيث كان من الصعب علينا حتى معاينة السلع المعروضة دون الغرق في الزحام، رغم أن العيد لم يمض على فواته إلا أياما قليلة. يقول صاحب المحل: ''غالبا تشهد هذه الفترة إقبالا، لأننا نلجأ عادة إلى تخفيض الأسعار بعد العيد قبل استقبال السلعة الجديدة في شهر سبتمبر''. وفي المحل لا تقل أسعار سروال الجينز عن 7000 دينار، فهي سلعة أمريكية ''حرة'' على حد قول صاحب المحل، فيما تراوحت أسعار القمصان من علامة ''برادا'' بين 5000 و2500 دينار. وبالمكان استوقفنا الشاب إلياس مهناوي، الذي يستعد للالتحاق بالجامعة لأول مرة بعد أقل من شهر، راح يسأل عن الأسعار قبل أن يختار قميصا ب4500 دينار، وحذاء ب6000 دينار، رغم أنه دون عمل ووالده موظف في القطاع العمومي بأجر بسيط، حسب ما أكده في حديث إلينا. يقول الياس: ''أعشق الماركة رغم أنها بعيدة عن إمكانياتي، لكني ادخّر من مصروفي، و''نافيفي أحيانا، لأزاوج في لبسي بين ''الماركة'' و''الكُونترفاسون''، الناس تحفر بالعين، والماركة تزيد من قيمة صاحبها''. من جانبه، أكد صاحب المحل أن متوسطي الدخل ينافسون ميسوري الحال إن لم نقل يتجاوزوهم في الإقبال على اقتناء ''الماركة''، مواصلا: ''نتعامل في الغالب مع أصحاب الدخل المتوسط، ولو أنهم يقتنون في الغالب قطعة واحدة وبالتقسيط''. زبائن لا يناقشون الثمن أما في المركز التجاري لباب الزوار، حيث توزعت محلات الماركات العالمية، أخذ ''الأنانيش'' وميسوري الحال الحصة الأكبر من زبائن هذه المحلات. بمحل ''لاكوست'' تراوح ثمن القمصان بين 6000 و7000 دينار، فيما لا يقل سعر الحقيبة الرياضية عن 13 ألف دينار، ورغم ذلك كان الإقبال كبيرا من مختلف الأعمار، من المراهقين، إلى الشباب وحتى الكهول. يقول أحد البائعين: ''زبائننا في الغالب معروفين ومحددين، وهم من أصحاب الذوق الكلاسيكي، وماديا هم من ميسوري الحال، فليس بإمكان الجميع اقتناء حذاء رياضي بأكثر من 10 آلاف دينار، وقميص ب7000 دينار، فالسلعة بالتأكيد ليست في متناول الجميع، كما أننا لا نبيع بالتقسيط''. وذكر المتحدث أن زبائنه في كثير من الأحيان لا يسألون حتى عن السعر، بل يختارون مقتنياتهم ويدفعون الثمن الذي يصل أحيانا إلى 40 ألف دينار دون طلب تخفيض الثمن. حقائب يد ب7 ملايين ولم يختلف الأمر كثيرا في محل الحقائب بمختلف الأحجام والألوان من ماركة ''لوُتانور'' الفرنسية، ولو أن عدد الزبائن كان قليلا بالمقارنة مع المحلات المجاورة، إلا أنه سرعان ما عرفنا السبب. فإطلالة خفيفة على أسعار الحقائب المعروضة تشعرك بالدوار، فهي أكثر بكثير من أجر أستاذ أو حتى طبيب، فأدناها ثمنا 30 ألف دينار وأغلاها لا يقل عن 70 ألف دينار. ونحن نسأله عن الإقبال، أكد لنا محمد لامين، البائع في المحل، أن سلعته موجهة لزبائن محددين، يترددون مرة أو مرتين في الشهر لاقتناء ما يريدون، وأحيانا يتقربون من المحل لطلب بضاعة بعينها يكونون قد اختاروها عبر الانترنت فنوفّرها لهم حسب الطلب. يضيف محمد لامين: ''لا يغادر زبائني المحل دون اقتناء شيء ولو حافظة صغيرة''، علما بأن حافظة النقود في محل صاحبنا لا تقل عن 10 ألاف دينار. أما متوسطي الدخل فيكتفون في الغالب بالاستفسار عن الأسعار، أو اقتناء أشياء بسيطة لا تتجاوز 5000 دينار مثلا، ''المهم أنهم يتذوقون متعة تجريب الماركة'' يعلّق صاحبنا. وبينما كنا نتجول بنظرنا بين البضاعة المعروضة، استوقفتنا على واجهة المحل حقيبة أنيقة، غير أنه لم يخطر ببالنا أن سعرها قد يتجاوز أجرة موظفين اثنين مجتمعين، فسعرها لم يكن أقل من 70 ألف دينار ''لا تنبهري كثيرا بالسعر، فأكيد لن تكون قريبا على واجهة المحل'' يعلق محمد لامين ضاحكا. تركنا محل ''لوُتانور'' إلى مجوهراتي في الرواق المقابل، وهنا استوقفتنا الساعات السويسرية التي لها عشاقها أيضا، ولو أن بريق ثمنها يضاهي بريقها على واجهة المحل. وبالمكان أغنتنا المحادثة الدائرة بين البائع وبين إحدى زبوناته كانت مرفوقة بوالدتها، عن أي استفسار، فالشابة التي لم يبدو عليها أنها ميسورة الحال، ذلك لأن ثيابها لم تكن من ''الماركة'' وكلتاهما أخذتا أكثر من 10 دقائق في استمالة البائع لتخفيض سعر ساعة سويسرية من نوع ''غيس'' وصل ثمنها إلى 30 ألف دينار. وتفننت الفتاة في لغة ''التحلال'' مؤكدة أنها طالبة جامعية، وأنها ستقتنيها من مدخرات المنحة الجامعية، قبل أن يرضخ البائع ويخفّض لها الثمن ب1000 دينار، ليسمع سيلا من دعوات الوالدة قائلة: ''ربي يفتح عليك ويفرحك كيما فرحتها''، ثم التفتت إلينينا وبادرتنا بالحديث دون حتى أن نكلمها: ''منذ أن شاهدتها في يد زميلتها وهي تجمع منحتها دورو بدورو''. فيما علّقت الفتاة ضاحكة: ''تشعرين أن للوقت قيمة أخرى إذا كانت الساعة سويسرية.. سألبسها ولو أكلت المقارون فيما تبقى من السنة''. أما في الشارع التجاري لحي سيدي يحيى، ملتقى المهووسين بالموضة، فلم يعد المكان مقصدا للأغنياء الجدد فقط، كما يتردد، بل أيضا لشباب يحجزون طلبياتهم، ويكملون ثمنها بالتقسيط. فبمحل ماركة ''سازيو'' الانجليزية، يقبل الشباب على اقتناء قطع من المحل بالتقسيط، فليس بالضرورة أن تكون جميع الثياب من هناك. يقول عبد القادر دويري، بائع في المحل: ''نتعامل مع جميع فئات المجتمع، فمثلما يبتاع من عندنا الميسورين، لنا زبائن محدودي الدخل يدفعون بالتقسيط من أجل قطعة ''حرة''.