المطالبة بالتثبيت في المناصب وإلغاء مسابقات التوظيف وصب الأجور المتأخرة لأشهر يسمي الشباب عقود ما قبل التشغيل ب''عقود الاستبداد''، حيث لا يزال حوالي 600 ألف مستفيد منها يناضل باستماتة من أجل التثبيت في مناصب العمل الدائمة، ويحضّر هؤلاء لدخول اجتماعي ساخن، من خلال العودة إلى الاحتجاجات والمسيرات والاعتصام أمام مقرات الولايات، بعد اكتشافهم بأن ''الحقيقة ''وراء هذه الصيغة في ''التوظيف'' ما هي إلا مجرد حقنة لامتصاص غضب الشباب والشارع ورفع نسبة الموظفين وتقليص حجم ''البطالة''. يعيش آلاف الشباب الذين يعملون في إطار عقود ما قبل التشغيل، حالة من الغليان والاستياء بسبب الإبقاء على هذه العقود كمسكّن لألم الشباب الحالم في الحصول على وظيفة دائمة. في المؤسسات التربوية والمديريات المختلفة وصولا إلى البلديات، يجمع أغلب عمال عقود ما قبل التشغيل بأنهم ''مستعبدون'' بعقود لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث يقول مهدي إنها ''ليست بعقود ما قبل التشغيل، بل قعود ما قبل التفشيل، فنحن ننتظر وننتظر حتى نفشل وننسى بأن الوظيفة يجب أن تكون ثابتة، وليس الطرد التعسفي وعدم التثبيت في المنصب''. ويضيف ''أنا أعمل منذ حوالي سنتين في مديرية الصحة، ولا أزال بعقد مؤقت، وأنا مهدد بالطرد بعد انتهاء العقد''. كما تقول عفيفة ''إن عدم الاستقرار الذي يعيشه المتعاقد طيلة مدة العقد والتي تكون في غالب الأحيان 3 سنوات والمصير المجهول يجعله في حالة يأس دائم''. وتضيف المتحدثة ''ناهيك عن المعاملة السيئة التي يتلقاها المتعاقد من زملائه في العمل ونظرة الاحتقار التي نعيشها بمرارة''. ويجمع الكثيرون على أن ''تجاهلنا الدائم من طرف المسؤولين في العمل أمر محيّر، خصوصا وأن مصيرنا مرتبط برغبات مديري المؤسسات والإدارات العمومية''. كما أن عدم وجود قانون واضح يلزم المؤسسات بالإدماج يجعله في حالة اضطراب طيلة الفترة الإضافية، كما أن المنحة لا تلبي جميع حاجاته، حيث لا تتعدى 15 ألف دينار. ''لا يوجد قانون يلزم المؤسسات بالإدماج'' ويعتقد معظم الشباب بأن الهدف الحقيقي من وراء عقود ما قبل التشغيل ''هو امتصاص الاحتقان في وسط الشباب وتغطية عجز الوزارة في توفير سياسة توظيف عادلة''، بهذه العبارة يتحدث مجاهدين سفيان، عضو المكتب الوطني للجنة الوطنية لعقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية، مضيفا في تصريح ل''الخبر'' بأنه ''لا يوجد قانون واضح يلزم المؤسسات الجزائرية بإدماج الموظف، وبالتالي يبقى مصيره مجهولا ومعلقا بيد مسؤوله الأول في المؤسسة، وفي أغلب الحالات تنتهي صلاحية العقد دون أي إدماج على الرغم من الوعود التي يسمعها من المسيّرين طيلة فترة العقد''. الأكثر من هذا كله، يقول المتحدث ''كثيرا ما لا تصرف هذه المنحة في وقتها المحدد، حيث يصل التأخر في دفعها إلى 6 أشهر وربما أكثر في بعض المديريات''. ولهذا يجمع المتعاقدون على أن الحكومة تخلت عنهم تماما بل ''تعتبرنا ثقلا عليها ولا نية لها في إعطائنا حق العمل''. وأمام إصرار الحكومة على الإبقاء على هذه الصيغة في القوت الذي يتم فيه فتح مسابقات للتوظيف في مختلف القطاعات، يطالب الآلاف من أصحاب عقود ما قبل التشغيل في إطار اللجنة الوطنية لعمال عقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية، وهي لجنة تضم كل العمال الذين يعملون في إطار عقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية وفي كافة القطاعات العمومية من التربية والصحة والجامعة والإدارة، البلدية وكل صيغ التعاقد مع الإدارات من حاملي الشهادات، بضرورة الإدماج في مناصب العمل من دون أي شرط. ويقول مجاهدين سفيان إن اللجنة التي تكتل فيها الآلاف بتاريخ 19 ماي 2011، جاءت من أجل ''وقف استغلال الشباب''، بأجر يتراوح بين 8 آلاف و15 ألف دينار، ''خصوصا وأننا قمنا بالكثير من الوقفات الاحتجاجية منها الاعتصام أمام وزارة العمل، التي رفعت لها أهم المطالب لكن من دون جدوى''. 30 سبتمبر.. موعد لتصعيد الاحتجاج وأمام هذا تقرر العودة إلى الاحتجاج بداية من الدخول الاجتماعي، وبالضبط في يوم 30 سبتمبر الجاري، حيث يتم التحضير لسلسلة من الحركات عبر الوطن، أو موحدة من خلال تجمع وطني في العاصمة أمام وزارة العمل. ومن بين مطالب المحتجين ''إدماج كل الذين يعملون في مناصب تناسب اختصاصهم دون شرط أو قيد ورد الاعتبار لهم''، بالإضافة إلى ''الذين يعملون خارج اختصاصهم تغيّر مدة عقودهم إلى عقد مفتوح حتى يجد منصبا آخر يلائم تخصصه ورفع أجره على الأقل إلى 25 ألف دينار''. كما يتمسك المحتجون بأنه يجب ''تخصيص منحة تسمى ب''دون عمل'' للجامعيين البطالين على الأقل 20 ألف دينار، في مقابل البحث له عن عمل، وإذا لم يتوجه إلى منصب عمله يحرم من المنحة''. كما تصر اللجنة الوطنية على ''إلغاء عقود ما قبل التشغيل التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي، والإبقاء فقط على الوكالة المحلية للتشغيل، مع رفع الأجر إلى 25 ألف دينار بدلا من 15 ألف دينار''. وحاول المستفيدون من عقود ما قبل التشغيل منذ أشهر السير نحو قصر الحكومة، غير أن التواجد الكثيف لرجال الأمن حال دون تمكنهم من القيام بذلك، حيث تم تجميعهم بساحة البريد المركزي بالعاصمة. فشل بقناع النجاح وتبقى عقود ما قبل التشغيل العقود المهنية الخاصة، التي يتم بموجبها تشغيل خريجي الجامعات ومعاهد التكوين في مؤسسة عمومية أو خاصة على أن تقوم مديرية التشغيل بدفع المنحة شهريا ولمدة 3 سنوات قابلة للتجديد، ولكنها فشلت فشلا كبيرا، بعد أن أصبحت تنحصر في مجرد أهواء مسؤولين وتعسف بعضهم، حيث تكون الأولوية في التثبيت للأصدقاء و''المعارف'' والمقربين. الأكثر من هذا، فإن العاملين في هذا الإطار يستفيدون من التأمين الاجتماعي، دون احتساب سنوات العمل في الصندوق الوطني للتقاعد، ولهذا يصر هؤلاء على احتسابها لأنهم يعملون بشكل عادي، بل بأكثر جهد وساعات عمل من الموظفين المثبتين في مناصب عملهم. وكان الهدف المعلن من وراء عقود ما قبل التشغيل، قبل أن يتبخر حلم الآلاف من الشباب في التثبيت بسببها، الإدماج الاجتماعي للشباب المؤهل، وترقية نشاطات التنمية ذات المصلحة المحلية ومحاربة الفقر والإقصاء والتهميش، على أن تغطي هذه العقود كل نشاطات المنفعة العامة، لكنها أصبحت حملا ثقيلا على هؤلاء، حيث يتم تجديد العقد للبعض بعد انتهاء الثلاث سنوات، ومنهم من يطرد ويحال على البطالة من جديد. ولهذا يرفع أغلب هؤلاء شعار ''عقد الذل والمهانة عقد لمن لا حياة له... ولا أكتاف ولا معريفة''. وتبقى وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي ملزمة بحل الإشكال وفتح الحوار مع اللجنة الوطنية لعقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية قبل انفجار الوضع مع الدخول الاجتماعي وإصرار هؤلاء على التصعيد بدل التهدئة. من زروال إلى بوتفليقة.. معاناة عمرها قرابة 20 سنة تم تبني برنامج عقود ما قبل التشغيل للفئة الجامعية بالدرجة الأولى، خصوصا وأن المؤسسات العارضة لمناصب العمل النادرة أصلا تفرض بعض القيود التي يصعب أن يكتسبها خريجو الجامعات، مثل الخبرة المهنية لعدة سنوات (خمس سنوات في المتوسط). وعلى هذا الأساس تم العمل على توسيع برامج ترقية الشغل من خلال تعميم عقود ما قبل التشغيل بالنسبة للمؤسسات العمومية والخاصة، وتأكد هذا التوجه من خلال المرسوم الرئاسي 234 96 المؤرخ في 02/07/1996 والمتضمن دعم تشغيل الشباب من خلال برامج التكوين، التشغيل والتوظيف في عهد الرئيس السابق اليامين زروال. ويهدف برنامج التشغيل إلى محاولة إدماج خريجي الجامعات للتكوين القصير (ثلاث سنوات للتقني السامي)، أو طويل المدى (أربع أو خمس سنوات لليسانس أو المهندس)، في سوق العمل بشكل يتلاءم مع مؤهلاتهم ومستوياتهم التعليمية. واستمر العمل بنفس البرنامج إلى عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبعد احتجاج المعنيين بالوظائف، تقرر تجديد عقود ما قبل التشغيل بصفة تلقائية في كل المؤسسات والإدارات، حيث جاء في مرسوم رئاسي بأنه ''سيستفيد جميع عمال جهاز الإدماج المهني وحاملي الشهادات العاملين في المؤسسات والإدارات العمومية من تجديد عقودهم بصفة تلقائية بعد انتهاء السنة الأولى أو الثانية منه بدون استثناء، وذلك بعد أن كانت المؤسسات المشغّلة ترفض تجديد العقود بعد انتهاء العام الأول، ما أدى إلى إحالة العديد منهم على البطالة مجددا''.