علق الجزائريون، أمس وليلة أول أمس، على ''مقبض إشاعة''، طوت بطونهم وعصرت قلوبهم، مفادها أن الرئيس بوتفليقة في حالة مرضية حرجة، أو أنه يكون قد ''توفي''. المعلومة بدأت ''فيسبوكيا'' لكنها سرعان ما ''دبت'' في هواتف مواطنين، لم يجدوا مصدرا ''يؤكد أو ينفي'' الخبر، عدا لجوئهم إلى قاعات تحرير الصحف، إلى أن كذبت وزارة الخارجية الخبر، لما تعدت ''الإشاعة'' الرقعة الجغرافية الجزائرية؟ فلم يُعرف في الجزائر أن ''شاعت'' أخبار من هذا القبيل، والظرف السياسي كان عاديا، ودوما كانت ''الإشاعة'' في الجزائر ترتبط براهن سياسي، يكون فيه الغموض والارتياب سيد الموقف، وضبابية ''المستقبل'' وتضارب التكهنات حيال الآتي، حالتان شعوريتان، تغزوان عقول السياسيين، ثم عموم الناس، ما يفسر إطلاق إشاعة أن الرئيس بوتفليقة يكون في حالة مرضية خطيرة أو أنه قد توفي، في ظرف مازالت تتعاطى فيه القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية رهانات الحكومة الجديدة التي عيّنها الرئيس بوتفليقة، وعلى رأسها عبد المالك سلال، وعلى ضوئها تتضارب التحاليل وتتقاذف ''الأماني''، إزاء من سيكون رئيسا شهر أفريل من العام .2014 أيستمر بوتفليقة، أم أن وافدا جديدا ينتظر؟ وقد عاشت الجزائر، منذ قرابة عشرية من الزمن، على وقع إشاعات مدوية، ارتبطت رأسا بحالة الرئيس الصحية، لكن من يهمهم الأمر لم يتعلموا كيف يصدون لهيب الإشاعة، أو قتلها في المهد، لتفادي تأويلات خاطئة أو نفي ''خراب سياسي'' يراد له أن يكون، من خلال زرع اضطراب ''معلوماتي''، من قبيل ما حصل أمس. ولأول مرة، منذ أن تمكنت ''الإشاعة'' من مصادرة حق الجزائريين في معرفة ''الحقيقة''، جعلتهم ''رهائن'' لها، ولبعضهم ولهواتفهم يستفسرون، تكفلت، أمس، وزارة الخارجية بنفي إشاعة، بما حمل على طرح سؤال: بشأن خلفية تكفل مصالح الدبلوماسية بالنفي، مع أن القضية داخلية، وبالتالي فإن مصالح رئاسة الجمهورية، أو الوزارة الأولى هي الجهة الوصية التي يفترض أن تتولى المهمة، لكن هذا السؤال سرعان ما يلغى إذا ما علمنا أن الإشاعة انطلقت من محطة فرنسية وصاحبها مدوّن فرنسي اسمه ''ألان جولاس''، وبالتالي كان واجبا على مصالح الوزير مدلسي التحرك للقول إن الرئيس بخير وأن ''الأمر يتعلق بإشاعات خبيثة لا تشرف أصحابها ولا تستحق الاهتمام كونها مخزية ومشينة''. في المقابل، شعر صاحب الإشاعة بخطإ جسيم ارتكبه وسارع من باريس، هو الآخر، ليقول إن ما دونه في مدونته لم يحمل صيغة الوفاة المؤكدة، وأن ما دونه كان مجرد معلومة همس بها أحدهم في أذنه. ومهما يكن، فإن ''الإشاعة'' تربعت على عرش، في الجزائر، بعدما وجدت تقبلا واسعا لدى الجزائريين، ''للتسريبات الكاذبة''، بتجربة بينت أن هناك مخيالا اجتماعيا جزائريا يتقبل الإشاعات بلا عناء ولا جهد، فقد استقبل الرئيس بوتفليقة نجم الكرة العالمي الفرنسي ذي الأصول الجزائرية زين الدين زيدان وعائلته، أمام كاميرا التلفزيون، مطلع مارس 2010، ليفند ''أخطبوط خبر'' يقول فيه أصحابه إن الرئيس أو شقيقه مصطفى (رحمه الله توفي لاحقا يوم 2 جويلية 2010) يكون قد توفي، وبث التلفزيون الجزائري اللقاء الذي خرج خلاله الرئيس عن البروتوكول بعدما رافق زيدان إلى خارج قاعة الاستقبال وقدم أفراد عائلته واحدا واحدا مع طبيبه الخاص. قبل ذلك وفي عام 2007، زار الرئيس بوتفليقة الشيخ القرضاوي، بمستشفى عين النعجة، لما كان راقدا هناك (القرضاوي)، عندما تسربت حينها إشاعة مرضه (الرئيس)، الذي كان سهلا عليه تفنيد ما يشاع من حوله، في ظرف كان يسمح له بذلك، ولم يكن يسمح له، حينما كان يعالج بمستشفى فال دي غراس في فرنسا، عام 2005، وقبضت ''بطون'' الجزائريين جهلا بمصير رئيسهم، في ظل صمت للحكومة، قتل الناس جميعا، إلى أن ظهر ''الشاب مامي'' ليطمئن الجزائريين أن بوتفليقة بخير، بعد أن تمكن من زيارته. لكن الواقع في الجزائر لا يتصل فقط بإشاعات ''قاتلة بلا موت''، كشبح يزور الجزائريين من حين لآخر، ولكنه يرتبط في أساسه بغياب منظومة اتصال وتواصل، وهذا ما عهد على حكومات، كلما نصبت واحدة، سمع الجزائريون عن سياسة اتصال مرتقبة، سواء مع الصحفيين أو مع المواطنين مباشرة، لكن ذلك لم يحدث، ليسلم الناس قربانا لإشاعات خطيرة. وبإشاعة أمس، يكون الوزير الجديد للاتصال محمد السعيد، قد شرع في مهامه ''الاتصالية''، ب''قنبلة معلوماتية'' شيطانية، فهل يتخذها مرجعا لإرساء سياسة اتصال جادة، تنفع الناس وتقيهم شر الإشاعة؟ م. ش إشاعة صُنعت في فرنسا تقتل الرئيس على الفايسبوك تناقلت مختلف صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ''الفايسبوك'' نبأ ''وفاة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة''، بعد أن أطلقت إشاعة صُنعت في فرنسا. وسادت حالة من الارتباك بين التأكيد والنفي، طيلة ليلة أول أمس، في الوقت الذي تداولها الآلاف بالتعليقات وصور الرئيس في ظرف ساعات وامتدت إلى غاية موقع ''تويتر''. وقد تسارعت الأخبار بشكل لافت، حول صحة الرئيس ووفاته إكلينيكيا في مستشفى بسويسرا، خصوصا وأن الوفاة لم تأت من مواقع التواصل الاجتماعي كما سبق بل من موقع إخباري من سويسرا ''صنع إشاعة طبية مؤكدة''، وهو ما ساهم في الضجة التي زلزلت الفايسبوك. ونشر الآلاف صور الرئيس مرفقة بتعليقات تتحدث عن وفاته، وراح المعلقون يدوّنون تعازيهم وآراءهم في الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، واستمر الوضع لساعات إلى غاية أمس، قبل أن يتم نفي الخبر. ولم تتوقف التعليقات عند هذا الحد، بل امتدت إلى انتقاد التعامل مع الإشاعة ونفيها، حيث كتبت إحدى الصفحات ''هذا لا يحدث إلا عندنا.. الكلام عن وفاة الرئيس اشتد وزاد منذ أن أطلق موقع فرنسي خبرا بذلك، ولأن الإشاعة لا تقتل، فإن العيب كل العيب على المكلفين بالإعلام''. ومع هذا لم يصدق الكثيرون الأمر، بالنظر إلى أن صحة الرئيس كانت الأكثر إثارة للإشاعات في الفايسبوك، واستعان البعض بتقنيات ''الفوتوشوب'' للتأكيد على أن لا أساس للنبأ من صحة، وأنها مجرد إشاعات لها هدفها ووقتها وغرضها ككل مرة. الجزائر: زبير فاضل