يواجه المواطنون مشكلة صحية حقيقية، بعد إقدام بعض التجار على إنشاء شراكات ظاهرية مع خريجي الجامعات في تخصص الصيدلة، وهو ما يمكنهم من الحصول على رخص لفتح صيدليات يبيعون فيها أدوية دون مرافقة الصيدلي المتخصص، وهو ما قد يجعل هذه الأدوية قاتلة في حال تم وصفها بطريقة خاطئة للمستهلكين. ذّر الأخصائيون من خطر هذه الممارسات على الصحة العمومية. وطالبوا الوزارة المعنية بضرورة تشديد الرقابة على هذه الممارسات وإشراك مجلس أخلاقيات المهنة والنقابة وفدرالية المستهلكين في عمليات التحقيق والمراقبة. يتجه كثير من التجار اليوم، إلى تفادي عقد الشراكة بأموالهم الخاصة مع ذوي الاختصاصات، مما يجعلهم يعرضون على المتخرجين الجدد تأجير شهاداتهم الجامعية لمدة معينة مقابل مبالغ مغرية، وهو ما يمكّنهم من الحصول على ترخيص لفتح محل لبيع الأدوية يدرّ عليهم أرباحا طائلة، رغم عدم اختصاصهم في المجال، وهو ما يسمح بتعريض حياة المواطنين للخطر. وفي جولة لنا بالعاصمة، اكتشفنا جهل بعض مصرّفي الدواء بالمجال، خاصة وأننا عرضنا وصفة دواء واحدة على 4 صيدليات بكل من بلديات القبة وباش جراح وحسين داي وبراقي، لم يتمكن أي صيدلي، من صرف الدواء الصحيح الموجود في الوصفة، في حين تمكّن صيدلي من بلدية الحراش من صرف الدواء الذي نص عليه الطبيب في الوصفة، وهو ما يؤكد خطورة الوضع بين العمل غير الشرعي ونقص الخبرة والاحترافية والمتابعة في الميدان. وتدفع البطالة والوضعية الاجتماعية والاقتصادية لبعض الصيادلة المتخرجين، مقابل عدم قدرتهم على فتح محلات خاصة بهم، إلى قبول تأجير شهاداتهم، مقابل مبالغ مغرية، رغم الخطورة التي تشكلها على مستقبلهم، في حال تم اكتشاف تجاوزاتهم، وعادة ما يكون الملف الإداري ظاهريا باسم الصيدلي والتمويل والتسيير من طرف الشريك غير المتخصص، مما يجعل الصيدلي المتهم الوحيد في حال تمكنت لجنة الرقابة من كشفه. مجلس أخلاقيات الطب لا أحد يعرف الصيدلي ''الحقيقي'' أما رئيس الفرع النظامي للصيادلة بمجلس أخلاقيات مهنة الطب، لطفي بن باحمد، فقد أكد أن النشاط غير الشرعي لعدد من الصيدليات في البلاد يعد أزمة ينبغي أن تواجهها الجهات المعنية. وقال أنه في ظل ضعف الصيغة القانونية المحددة لضوابط المهنة، فإن المواطن لا يعرف المعايير التي يعتمد عليها في التعرف على من يبيعه الدواء إن كان صيدليا حقيقيا أو مجرد موزع. وقال أن الصيدلي في دول أجنبية يكون له ''شارة'' تعلّق على مئزره، ونسخة عن الوثائق الرسمية تعلّق في جدار الصيدلية، وبعض الإجراءات الرسمية الأخرى التي لا تتيح المجال لحدوث تلاعبات من هذا النوع. وأفاد بن باحمد أن المجلس يندد بشدة بهذه التصرفات ويطالب بتشديد العقوبات على الممارسين غير الشرعيين وفقا للمادة 243 من قانون العقوبات. مشيرا إلى أن اكتشاف المتورطين في الأعمال غير الشرعية جد صعب، بالنظر إلى نقص عدد المفتشين المكلفين بعملية الرقابة من طرف وزارة الصحة. وشدد على أن العديد من الصيدليات من بين 1000 صيدلية تعود للقطاع العام و7000 صيدلية عمومية، لا تحتوي على صيادلة متخصصين. وأوضح أن المسؤولية في الوضع تعود لقادة القطاع الذين لا يولون الأولوية للتعامل مع مجلس أخلاقيات المهنة، ويسمحون بتوسع نشاطات الصيدلة بدون صيادلة متخصصون. وأضاف بن باحمد أن الوزارة تعتمد على 10 مفتشين متخصصين في الصيدلة، فيما تختلف اختصاصات المفتشين المتبقين بين جراحة الأسنان والطب. وعليه دعا وزير الصحة عبد العزيز زياري إلى وضع صيغة قانونية تلزم مدراء الصحة بالتعاون مع مجلس أخلاقيات المهنة والنقابات لفرض الرقابة على النشاطات غير الشرعية للصيادلة. وأكد المتحدث على غياب التنسيق بين الوزارة المعنية ومجلس أخلاقيات المهنة، وأكد على عدم التعاون من طرف بعض مدراء الصحة في الولايات مع المجلس، حيث ترفض هذه الأخيرة إرسال الملفات الخاصة بالصيادلة المتورطين، وأحصى المتحدث أن المجلس يحصي بالعاصمة 15 ملفا سنويا، في حين لم ترده أي ملفات من الولايات المتبقية. وقال أن النظام المعتمد دوليا يقر بضرورة وجود صيدلي مساعد لمساعدة الصيدلي الرئيسي في العمل ويخضع لتكوين كامل في الجامعة، وهو الأمر غير المتوفر-حسبه- في بلادنا. وأوضح أنه لا توجد صيغة قانونية تحدد للصيدلي عدد المساعدين الذين يوظّفهم ليكونوا في خدمة المرضى، حيث أن إجراء من هذا النوع من شأنها تقليص دائرة الممارسة غير الشرعية والحد من نسبة البطالة في صفوف الخريجين. كما أضاف أن العيادات العامة والخاصة في بلادنا لا توظف صيادلة للعمل بصفة دائمة، بحيث تعتمد في صرف الأدوية على الأطباء مباشرة. نقابة الصيادلة الخواص تعترف بيع عشوائي للأدويةّ يقول مسعود بلعمبري رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص، في تصريح ل''الخبر'' أن لجوء بعض التجار إلى تأجير شهادات الصيدلة من خريجي الجامعات في التخصص، تصرّف ممنوع وخطير على الصحة العمومية، وهو ما اعتبرته النقابة تشويها للمهنة تسعى لمكافحته بالتعاون مع السلطات الصحية، وأضاف ''نعمل على كشف التعاقدات غير القانونية التي يقوم بها التجار، وتوعية الصيادلة بمخاطر هذه الممارسة التي يتحملون عواقبها بصفة فردية''. ويضيف بلعمبري أن الظاهرة ساهمت في ارتفاع وتيرة البيع غير الشرعي للأدوية المهلوسة والأدوية غير المرخص بتسويقها، التي لا تحتوي على القسيمة الجزائرية، وعدم دفع الضرائب والصكوك. ويصف بلعمبري الوضع بالخطير، خاصة في ظل وجود قضايا عديدة أدت بصيادلة حديثي التخرج إلى السجن، وقال أن النقابة تعتبر هذه الفئة ''ضحية'' بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يسمح لها بفتح نشاط مستقل مقابل شح مساعدات الدولة لها، وتشديد إجراءات البنوك مقابل عدم تفهم بعض الموزعين لتأخر التسديد، مما يضع صحة المواطن في خطر، في ظل إمكانية صرف أدوية لا تتماشى مع بعضها أو أدوية منتهية الصلاحية أو ممنوعة. ويقول إن النقابة لا تملك صلاحية التدخل، حيث شاركت في العمل الرقابي في السنوات الأخيرة، في إطار لجنة مشتركة بين النقابة والوزارة، أدت إلى القضاء على الظاهرة في عدة ولايات. وأضاف أن اللجنة وجهت دعوة لغرف الموثقين بالامتناع عن إبرام عقود شراكة بين الطرفين، خاصة وأن القانون يمنع مثل هذا النوع من العقود. رئيس الفدرالية الوطنية للمستهلكين حريز زكي سنحارب انتشار الصيدليات غير الشرعية ندد حريز زكي، رئيس الفدرالية الوطنية للمستهلكين، بالظاهرة وأكد أن ممارسة النشاط الصيدلي من غير ذوي الاختصاص تعد أزمة حقيقية في قطاع الصحة ينبغي معالجتها، وقال أن الفدرالية تحضر للقاء مع وزير الصحة عبد العزيز زياري من أجل مناقشة وضع سوق الدواء وانتشار الصيدليات غير الشرعية، مع بحث إمكانية التعاون مع الوزارة المعنية للقيام بالدور الرقابي وتغطية أكبر قدر ممكن من مناطق الوطن. مشيرا إلى أن مثل هذه الممارسات تبقى ممنوعة لما تشكله من خطورة على حياة المريض، خاصة بالمدن الكبرى، على غرار عنابة والعاصمة ووهران. وأضاف في ذات السياق أن الموزع الصيدلي لا يستطيع ممارسة عمل الصيدلي في أي حال من الأحوال، وأن المرافقة شرط ضروري للتمكن من الحصول على ترخيص رسمي بممارسة المهنة من طرف الوزارة المعنية. مؤكدا أن هؤلاء ليس لهم الحق في تشويه صورة مهنة الصيدلة بهذه الممارسات الشاذة التي تشكّل خطرا على المنظمة الصحية. ودعا إلى الوقوف في وجه هؤلاء للقضاء على تبعات المخالفات التي يقومون بها. مؤكدا أن من سبقوهم وجدوا أنفسهم اليوم خلف قضبان السجن، لأن التجار ممن يشاركونهم هذه العملية يعملون على إجبارهم على توقيع صكوك بريدية على بياض أو اعترافات بالدين، ليواجهوا بها الصيدلي في حالة إذا ما عرض فسخ العقد معهم واسترجاع الشهادة وكشف عن وجود 600 مفتش تابع لوزارة الصحة على المستوى الوطني، توكل لهم مهام التفتيش والرقابة بصفة دورية، حيث يقومون بالتأكد من تواجد الصيدلي الذي يملك محلا تجاريا باسمه أو رخصة الفتح باسمه بصفة دائمة في المحل. حكم الدين تأجير الشهادات الجامعية ''حرام'' أفتى الشيخ أبو عبد السلام ب''حرمة'' تأجير الشهادة الجامعية مهما كان نوعها، وأكد أنه يدخل في أنواع الغش والتدليس. وأوضح الشيخ أن تأجير الشهادات الجامعية من طرف الطلبة دون العمل بها، فعل محرم. واستشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال: ''من غشنا فليس منا''. وذكر الشيخ أن الطالب الذي يقبل على تأجير شهادته الجامعية دون العمل بها في محل الشخص الذي أجّرها له ''حرام''، لكونه يدخل في التدليس والكذب على الجهات الرسمية، وعلى القانون وعلى المواطن أيضا، الذي يروح ضحية بعض هذه الأفعال، ونصح الشباب بالاجتهاد من أجل تكوين شراكة مع التجار ميسوري الحال، مع الالتزام بالعمل معهم في المجال. وأكد أن إدعاء الشاب المتخرج أمام الهيئات الرسمية بأنه صاحب الورشة وأنه يعمل فيها أمر باطل وتحايل على الجهات الرقابية، مما قد يفضي إلى اختلالات جمة في المجتمع.