تسعى وزارة الداخلية لإعادة الاعتبار للمدن، من خلال إطلاق حملات تنظيف واسعة لإزالة الأوساخ ووضع حد للانتشار الفوضوي لمواقف وحظائر السيارات، فلم لا تقوم وزارة التجارة، يتساءل المواطنون، بدورها في إعادة الاعتبار لأنشطة بيع الوجبات السريعة والمطاعم الشعبية التي تغصّ بها المدن وحتى القرى، دون أن يعير أصحابها أدنى اهتمام لشروط النظافة التي تعني صحة وسلامة المستهلك. أصبحت مهنة بيع المأكولات السريعة على الأرصفة وفي الشوارع ومحطات الحافلات والأسواق وحتى أمام المساجد، مهنة من لا مهنة له، بعدما تحولت طاولات الأكل السريع إلى مصدر للكثير من الشباب العاطلين عن العمل، فيما يبقى إقبال المواطنين عليها سيد الموقف، متغاضين عن الأمراض التي من الممكن أن تنقلها الأطعمة ومصدرها ومدى صلاحيتها للاستهلاك البشري. في جولة قادتنا إلى أحياء باب الوادي والحراش وبراقي والكاليتوس وحتى ساحة الشهداء وبلوزداد والمدنية، لاحظنا تكرار نفس المشاهد، طاولات ''الفارفوتي'' و''المحاجب'' و''البنيي'' و''الخفاف'' مترامية على مسافات متباعدة، كل يبيع حسب تخصصه، فهذا متخصص في الشواء والآخر في ''السندويتشات'' وآخر متخصص في أنواع البيتزا والحلويات. ويكثر البيع العشوائي للأكلات الخفيفة في الأسواق الشعبية أيضا، حيث يكثر توافد المواطنين على مأكولات تعد في المنازل أو في الهواء الطلق، كالمحاجب، البيتزا والشواء لمختلف أنواع اللحوم من الدجاج والكبد والنقانق، في بيئة يملأها الغبار والروائح الكريهة، ما يؤدي إلى التصاق الميكروبات المنتشرة في الجو بهذه المأكولات أثناء إعدادها أو بيعها، حيث إن معظمها يتم عرضه دون غطاء بلاستيكي أو واق زجاجي أو أجهزة حفظ وتبريد، الأمر الذي يمكن أن يسبب أمراضا عديدة للمقبلين على تناول هذه الأكلات. وتعد هذه المأكولات من بين المنتجات سريعة التلف وعليه لا يمكن الحفاظ عليها، إلا في درجة حرارة معينة، مثل ''المايونيز'' التي لا تتجاوز مدة صلاحيتها يوما كاملا، بل يمكن أن تكون أقل في حال زيادة درجة الحرارة، لتتحول إلى مادة قاتلة. الهم الأول.. السعر الأدنى ويرى غالبية المواطنين أن هذا النوع من الأغذية يشكل حلا لهم، خاصة منهم العمال الذين يركضون خلف إسكات جوعهم في منتصف النهار بأي وسيلة. ويؤكد فريد أن الوضع يلائمه خاصة أن السعر يناسب قدراته المادية، وقال إنه غير مجبر على ارتياد مطعم فاخر يكلفه ثمنا باهظا، في الوقت الذي يشتري من بائع واحد يحظى بثقته. وتؤكد سليمة أن غلاء الأسعار، دفع بالمواطنين إلى اللجوء إلى طاولات المأكولات الخفيفة والشواء، خاصة أنها توفر نوعية من المعجنات يفضلها العديد من المواطنين الذين لا يتمكنون من طبخها في المنزل، على غرار ''البوراك'' و''المحاجب'' و''الغرس''، واعترفت أن بعضهم لا يوفرون النظافة الكافية، ''إلا أن ضعف الرقابة من طرف مسؤولي البلديات سمح بانتشارها''. أما (يحيى. ن) فأكد أنه لا يتردد على مثل هذه الطاولات، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يخاطر بحياته ويقتني مأكولات من الأرصفة، ودعا إلى القضاء على الظاهرة من منطلق الإزعاج التي تسببه في الأحياء وللمارة، خاصة بعد الروائح المنبعثة التي تسبب وعكات صحية خاصة لدى كبار السن، وحالة الفوضى والأوساخ التي تنتشر في محيطها، حيث تتعرض الأطعمة التي يقومون ببيعها للحشرات والميكروبات، ليبقى المواطن، يضيف يحيى، المتضرر الوحيد الذي يغريه السعر البخس. كما انتشرت عبر الأحياء فضاءات الشواء وأضحت تجارة من نوع جديد، يظهر ممارسوها لينافسوا المطاعم. وتتسبب نقاط بيع المشوي، في تلويث الهواء بدخان الشوايات بالقدر الذي يحجب الرؤية عادة، عارضين للاستهلاك قطع لحم لا يعلم إن كانت صحية أم لا، وقد تضاعف عدد هؤلاء التجار الذين يعرفون محليا ب''الشواية'' بشكل ملفت خاصة على مستوى التجمعات الحضرية الكبيرة، حيث تجد طاولاتهم، حسبما رصدناه في زيارتنا إلى منطقة بومعطي، منتشرة بأرجاء الأحياء الشعبية وبالقرب من المساجد والأسواق الجوارية والموازية ومحطات حافلات النقل وهي تفوح برائحة اللحم المشوي الشهي. شبان يتخلون عن أكل البيت وأصبح بعض الشبان يميلون إلى تناول وجبات خفيفة خارج البيت، رغم إعداد الأكلة المنزلية، حيث يفضلون المأكولات الخفيفة على الوجبات الصحية في المنزل، حتى باتت ''عادة'' وطريقة ل''التباهي'' بين أقرانهم، رغم توفر الطبخ المنزلي اليومي الذي توفره الأمهات اللواتي لا ينقطعن عن التحسّر جراء توجّه أبنائهن إلى المأكولات السريعة خارجا وترك الأكلات الصحية المعدة بكل عناية ومحبة في المنزل. وتحضر هذه الوجبات المقدمة للمواطن البسيط في غياب أعين الرقابة، في حين يبقي المستهلك معرضا لمختلف أنواع التسممات، والتي تؤدي في أحسن الحالات إلى مكوثه بالمستشفى لأيام، نظرا لغياب الرقابة والانتشار الكثيف لمثل هذه المحلات التي تسعى إلى الربح على حساب المواطن البسيط، الذي يجد في أسعارها متنفسا له.