الاستعانة بالإبر والمغناطيس للتشويش على سير عدادات الطاقة الكهربائية ''نسرق الكهرباء لأن الدولة لا تمنحنا حقنا''، و''نسرق الكهرباء لأن الحكومة لا توفرها لنا أصلا''.. بمثل هاتين العبارتين يتحدث أغلب من يزودون بيوتهم بالكهرباء من أعمدة الكهرباء العمومية في عدد من الأحياء الشعبية والفوضوية، من دون تسديد أي فواتير؛ ما يكبّد الشركة الوطنية لتوزيع الكهرباء والغاز ''سونلغاز'' خسائر بالملايير. في الجزائر العاصمة كما في العفرون بالبليدة وسوق أهراس وعنابة ووهران، يتكرّر نفس المشهد، حيث ترفض آلاف العائلات الاعتماد على شركة سونلغاز لتمكينهم من الكهرباء بطريقة قانونية، على اعتبارها شركة وطنية لا تتعامل إلا مع الزبائن الشرعيين، الذين يملكون بيوتا برخصة. ويرى متابعون لملف استهلاك الكهرباء بأن سونلغاز لم تتمكّن من مواجهة ظاهرة سرقة الكهرباء، في الوقت الذي ارتفع معدل الاستهلاك بشكل لافت. حيث تتسبّب السرقات، أو ما يسمى في لغة تقنيي سونلغاز ب''قرصنة الطاقة الكهربائية''، التي تطال الفواتير والعدادات في ضياع ما قيمته 7 إلى 10 مليار دينار سنويا، زيادة على 8 مليار دينار نتيجة الضياع التقني، حسب مؤشّرات مقدّمة من طرف مجمّع سونلغاز مؤخرا. ''سونلغاز.. والكل يتكهرب'' يدرك الكثير من المواطنين بأن سرقة الكهرباء هي الحل الوحيد للتزود بالطاقة، من دون تسديد أي فاتورة، ولو تسبب ذلك في انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي على الأحياء التي تستفيد من الكهرباء بشكل قانوني. وبيّنت جولة قادت ''الخبر'' إلى عدة أحياء قصديرية بالعاصمة، بأن من يستعينون بسرقة الكهرباء لا يعيرون أي اهتمام لمعدّل الاستهلاك، فبيوتهم الهشة مزوّدة بأكثر من جهاز تكييف وغيرها من الأجهزة الكهرومنزلية التي تستهلك الكثير من الطاقة. الأكثر من هذا كله، فإن الأسلاك الكهربائية التي تخترق الأعمدة الكهربائية تشكّل شبكة لا متناهية من الأسلاك التي تتشابك فيما بينها لتصل إلى البيت القصديري، من دون أي رقيب ولا مانع. كما يرفع الشباب في الأحياء القصديرية شعار ''سونلغاز والكل يتكهرب''، بمعنى أن الجميع من حقه أن يوصل الكهرباء إلى منزله من دون الاستعانة بشركة الكهرباء والغاز. ويتكفّل كهربائي معروف في المنطقة بالعملية مقابل مبلغ مالي يتراوح ما بين 5 و10 آلاف دينار، ويقوم بذلك في ظرف قياسي بالنظر لخبرته الطويلة. وإذا كان الخبراء يؤكّدون بأن نسبة استهلاك الجزائريين للكهرباء في تزايد مستمر وصل حدود 41 بالمائة، فإن سونلغاز تبقى عاجزة عن مواجهة هذا الطلب المتزايد الذي يتسبب فيه الزبائن ''المجهولون''، والذين يشكّلون النسبة الأهم. ولا يتوقف الأمر على السكنات والبيوت القصديرية؛ بل يمتد إلى عدد من المحلات، حيث أثبتت التحقيقات التي قامت بها مصالح سونلغاز بأن هناك مئات المحلات التجارية في كل ولاية غير مسجلة على مستواها، خصوصا في المناطق النائية والأسواق الشعبية. ولا يمكن لأحد أن يلحظ الأكشاك التي تنتشر على قارعة الطريق وهي تشتعل بالأضواء وصوت المذياع يدوي منها، علما أنها تستعين بكهرباء العمود الكهربائي الذي يظل خارج الخدمة لتلبية طلب الكشك. خسائر بالملايير وسطو متكرر ويتفنن المواطنون في سرقة الكهرباء بطرق أخرى تتعلق بالعداد الكهربائي من خلال الاستعانة بالإبر من جهة وبالمغناطيس لعدم تمكين مؤشر الاستهلاك من التسجيل الدقيق للاستهلاك، وبطريقة أخرى تتعلق بوضع ''كليشي'' آلة التصوير، ويتم في حالة تنقل عون سونلغاز إلى المنزل لتحديد سعر الفاتورة، نزع هذه ''المعوقات'' لتبقى الفاتورة في حدود 200 دينار، في حين أن الاستهلاك الحقيقي يتجاوز مؤشر 10 آلاف دينار، خصوصا وأن أغلبهم يتمادون في تشغيل كل أنواع الأجهزة الكهرومنزلية بلا ضابط. أوضح الرئيس المدير العام لشركة سونلغاز توزيع الجزائر، في آخر ندوة صحفية له، بأن ألف قضية تتعلق بقرصنة التيار الكهربائي، أحيلت على العدالة للنظر والفصل فيها. وأضاف أنه ''يتم حاليا استحداث ''أعوان للمراقبة''؛ في خطوة للحد من سرقة الكهرباء، التي تسببت في خسائر كبيرة للمجمع، كما أن 18 قضية متعلقة بقرصنة الكهرباء سجلت على مستوى تيبازة والتي تعد من بين الولايات التي تعرف انتشارا كبيرا لهذه الظاهرة، زيادة على ولايتي الجزائر وبومرداس. وقدّر مدير شركة توزيع الكهرباء والغاز للجزائر بتيبازة محمد عثماني التسربات الحاصلة في منتوج الكهرباء على مستوى ولاية تيبازة والجزائر غرب العام الماضي ب855 مليون دج بما يعادل 7 ,30 بالمائة من كمية الكهرباء المقتناة. كما سجلت مصالح الشركة خلال السنة المنصرمة 400 حالة ربط غير شرعي و390 حالة غش في العداد، لتضاف هذه الخسائر إلى جملة مستحقات الشركة لدى مختلف زبائنها من خواص ومؤسسات عمومية والمقدرة بأكثر من 847 مليون دينار، وتعادل 24 شهرا من كتلة أجور العمال، الأمر الذي أثقل كاهل المؤسسة بعبء مالي يربو عن 1700 مليون دينار. الأكثر من هذا كله، فإن الخسائر التي تتكبدها سونلغاز بسبب الزبائن الوهميين وغير الشرعيين لا يمكن أن تسدد رغم إحالة ملفات المئات من المواطنين على العدالة، بسبب الوقت الطويل الذي تتخذه الإجراءات القانونية، وصولا إلى فرض الغرامة واسترجاع ''حقوق'' سونلغاز العالقة لسنوات. رئيس الفيدرالية الجزائرية لجمعيات المستهلك زكي حريز ل''الخبر'' ''سارقو الكهرباء ينتشرون في الأحياء الفوضوية'' كشف رئيس الفيدرالية الجزائرية لجمعيات المستهلك، زكي حريز، بأن ظاهرة سرقة الكهرباء تنتشر تحديدا في الأحياء الفوضوية والقصديرية، مضيفا في تصريح ل''الخبر''، بأن ''المواطن ينطلق من مبدأ أن ''سرقة الدولة حلال''، وبالتالي يتمادى في عدم تسديد الفاتورة الحقيقية لاستهلاك الكهرباء''. هل ترى بأن الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي التي عاشتها العائلات الجزائرية يتسبب فيها سارقو الكهرباء أيضا؟ سرقة الكهرباء تساهم أيضا في الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، خصوصا وأنها أصبحت ظاهرة حقيقية ومشكلة كبيرة تعاني منها شركة سونلغاز، وهي تتكرر في المجتمع وتتزايد، وذلك بعد أن يقوم المواطن بإحلال السرقة من منطلق أنه ''يسرق الدولة'' وليس شخصا، ولكنه يجهل بأنه يسرق كل المجتمع. لكن هناك من يسرق الكهرباء من خلال تقنيات في العدّاد وهو يسكن فيلا، أليس كذلك؟ الأكيد أن الظاهرة انتشرت بشكل لافت، وكل الخسائر التي تتكبدها سونلغاز تعوضها الخزينة العمومية والخزينة ملك للشعب، وبالتالي فإن سرقة الكهرباء من سونلغاز حرام ولا نقاش فيها، وهي ظاهرة غير صحية تنتشر بشكل لافت. والتحقيقات بينت بأن هناك من يملكون بيوتا محترمة ويسرقون الطاقة الكهربائية من خلال الاحتيال في العداد. ماهي الحلول في نظرك للقضاء على هذه الظاهرة؟ يجب توعية المواطن بأن سرقة الكهرباء ستعرضه حتما إلى مشاكل ومخاطر، ويجب محاربتها من طرف مصالح سونلغاز وفرض غرامات على المخالفين. لعبة القط والفأر سارقو الكهرباء: ''نسرق سونلغاز لأنها تضخّم الفواتير'' لا يقتنع المواطنون الذين يسرقون الكهرباء بأي طرح آخر، معتبرين أن سرقة الكهرباء مشروعة قبل أن تقوم سونلغاز بسرقتهم عن طريق تضخيم الفواتير. وبعد أن ضاق الجزائريون ذرعاً بالانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي منذ ما قبل شهر رمضان وخلاله، فكروا في ''الانتقام'' من شركة الكهرباء والغاز، حيث أطلقوا حملة على ال''فايسبوك'' بعنوان: ''ما نخلّصش''. وحتى قبل امتناع البعض من تسديد الفواتير فضّل آخرون سرقة الشركة في بداية الأمر، لاسترجاع حقوقهم. ويقول أحد سكان الأحياء القصديرية ''الأمر عجيب هل تحصل على فاتورة كهرباء معقولة المبلغ، بالنظر للاستهلاك، أنا لم أر ذلك يوما، فتضخيم الفواتير يتم باستمرار، ولا يمكنني أن أسدّد تكاليف رحلة عطل إطارات الشركة على حسابي أنا''. أما آخر فيقول ''نحن لا نحترم هذه الشركة، لأنها حسب سبر الآراء الذي أجري حول الشركات التي يكرهها الجزائريون، تبين بأن ''سونلغاز'' هي التي تحتل الريادة، لأنها أساسا تسرق المواطن، ولهذا فمن حقي أن أسرقها''. ويرى البعض بأن تضخيم الفواتير صار ظاهرة لا يمكن السكوت عنها، بل إن الأمر امتد إلى أن ما وقع من انقطاعات واحتجاجات في الصيف، دفعناها أضعافا مضاعفة، من خلال الفاتورة الأخيرة، التي لا يمكن تصور مبالغها الضخمة التي وصلتنا. ولا يتوقف الأمر على المواطنين فحسب الذين ''يبدعون'' في سرقة الكهرباء، بل يمتد إلى عمال وإطارات الشركة، حيث أدانت محكمة الجنح بالقليعة في تيبازة عونا بشركة سونلغاز بولاية تيبازة متهم بسرقة أسلاك نحاسية كهربائية ببلدية زرالدة بولاية الجزائر التابعة لشركة سونلغاز بولاية تيبازة، حيث بلغت كمية الأسلاك الكهربائية 900 متر.