أموال ترصد لمؤسسات وهياكل لم تر النور وغياب شفافية في حساب الجباية النفطية اعتمد قضاة وخبراء مجلس المحاسبة، في التقرير السنوي حول تنفيذ ميزانية الدولة للعام 2010، مقاربة جريئة مقارنة بالتقارير السابقة للهيئة، وأبرزوا وجود اختلالات في تسيير المال العام، وسوء إدارة المشاريع الاستثمارية وتسيير الصناديق الخاصة. سجل المجلس في تقريره، تحوز ''الخبر'' على نسخة منه، تدني استهلاك الميزانيات المخصصة للاستثمار، ولفت مجدّدا إلى ظاهرة ''نقص تحضير المشاريع، وتقييم غير دقيق للاحتياجات، وعدم إنضاج الدراسات، ما أدى إلى تغيير برمجة كثير من المشاريع، ما انعكس سلبا على آجال الإنجاز وزيادة الأغلفة المالية المخصصة لهذه المشاريع''. وطالب المجلس، في تقريره، ببذل جهد أكبر للتحكم في الإنفاق وضبط التوقعات، وتنسيق أكبر بين مختلف القطاعات (ص 39)، وحسن تقدير الحاجيات ''حيث أن كثيرا من الميزانيات المرصودة تجاوزت المتطلبات''، واستدل هنا بالمعهد الوطني للبحوث في علم الجريمة الذي صدر مرسوم إنشائه في 2004 وحصل على دعم سنوي انطلاقا من عام 2008 ب277477000 دينار، بينما هو في حقيقة الأمر لم يبدأ النشاط، وتخصيص ميزانية لوزارة الصيد البحري تقدّر ب036 ,3مليار دينار، بينما لا يزيد استهلاكها للميزانية عن 490, 1 مليار دينار. كما سجل التقرير تأخرا كبيرا في انطلاق بعض المشاريع، رغم حصولها على الاعتمادات المالية الواردة، وهي العدالة ب21 مشروعا، والداخلية ب5 مشاريع، والموارد المائية ب6 مشاريع، والفلاحة ب4 مشاريع، والثقافة ب14 مشروعا، والتضامن الوطني ب11 مشروع، والصحة ب15 مشروعا، والضرائب ب27 مشروعا. ولفت المجلس إلى صعوبة التدقيق في أوجه صرف الاعتمادات الموجهة لمراكز تابعة لقطاع الفلاحة. وأبرز المجلس استمرارا بل تدهورا في عمليات متابعة التدقيق في ميزانية التجهيز، رغم الملاحظات التي تم تسجيلها في التقارير السابقة، وخصوصا في قطاعات العدالة والتربية، وكذا في عمليات الصيانة، والميزانيات الإضافية. وتبعا لتقريره الخاص بسنة 2009، واصل مجلس المحاسبة تركيزه على قطاع الضرائب، وعدم تحسن وضعية العاملين في القطاع بشكل يعزز دورهم في تحسين التحصيل الجبائي ببلادنا، ومكافحة التهرّب الجبائي. وفي هذا المجال، سجل المجلس حاجة الحكومة إلى فرض التعامل بالصكوك للمعاملات المالية التي تساوي أو تزيد عن 50 مليون سنتيم. وطلب، في سياق آخر، بتحديد قائمة المؤسسات والمتعاملين المستفيدين من التسهيلات والإعفاءات الضريبية، المقدّرة ب430 مليار، خصوصا أن بعضا منهم لم يجسد مشاريعه على أرض الواقع، وضبط مشاريع وكالة ''أنساج''، وتنسيق أكبر بين القطاعات الوزارية المتدخلة في العملية. ودعا إلى تعزيز قدرات قطاع الجمارك، خصوصا في تحصيل الغرامات ومتأخر الغرامات التي تقدّر ب40 مليار دينار، وفق تقديرات أواخر ديسمبر .2010 وجدّد المجلس، في تقريره، الدعوة إلى مزيد من الشفافية في تحصيل الجباية النفطية من الشركة العمومية والشركات الأجنبية، ملمحا إلى صعوبة تقدير صحة هذه المداخيل. كما جدّد الانتقادات الموجهة لقطاعات حكومية، في مجال توظيف مختصين لشغل المناصب الشاغرة، خصوصا في قطاع الصحة، حيث يعاني القطاع من عجز يقدّر ب12728 في شبه الطبي و4300 طبيب مختص. وتضمن التقرير دعوة للحكومة لتطهير الصناديق الخاصة، مسجلا في عديد الاختلالات، إلى جانب عدم توظيف أموال عدد من هذه الصناديق، ولفت مثلا إلى وجود 77 صندوقا وحسابا خاص (تقرّر خفضها إلى 68 صندوقا في أفق 2013)، وأن 5 قطاعات وزارية تهيمن على تسيير 35 صندوقا، وهي قطاعات المالية، الفلاحة، الثقافة، الداخلية والصناعة. وتحدث التقرير عن أخطاء في الحسابات، وانتهاكات للتشريعات في تسيير هذه الصناديق، وضعف استعمال مواردها. ورغم الملاحظات التي أطلقها، سجل المجلس أن توجيهاته وتوصياته لم تحظ بالرعاية من قبل قطاعات حكومية عديدة، ما يشير إلى استمرار ظاهرة الإفلات من المحاسبة، والحاجة لمنح المجلس مزيدا من الصلاحيات، لملاحقة المتسبّبين في إهدار مقدرات الأمة والمال العام.