رحمته بالبهائم: وشملت رحمته صلّى الله عليه وسلّم البهائم الّتي لا تعقل، فكان يحثّ النّاس على الرّفق بها، وعدم تحميلها ما لا تطيق، وكان يقول: ''إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته''. رحمته بالجمادات: بل تعدّت ذلك إلى الرّحمة بالجمادات، وقد روت لنا كتب السير حادثة عجيبة تدل على رحمته وشفقته بالجمادات وهي[: وما حادثة حنين الجذع عنّا ببعيد، فإنّه لمّا شقّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم طول القيام، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر، فكان إذا خطب النّاس اتّكأ عليه، ثمّ ما لبث أن صُنع له منبر، فتحوّل إليه وترك ذلك الجذع، فحنّ الجذع إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى سمع الصّحابة منه صوتًا كصوت البعير، فأسرع إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاحتضنه حتّى سكن، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال لهم: ''لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة'' رواه أحمد. رحمته بالأعداء حربًا وسلمًا: فعلى الرغم من تعدّد أشكال الأذى الّذي ذاقه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من الكفار، إذ تجلّت رحمته صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له، حينما أعلنها صريحةً واضحةً: ''اليوم يوم المرحمة''. وأصدر عفوه العام عن قريش الّتي لم تدّخر وسعًا في إلحاق الأذى بالمسلمين، فقابل الإساءة بالإحسان والأذيّة بحسن المعاملة. لقد كانت حياته صلّى الله عليه وسلّم كلّها رحمة، فهو رحمة وشريعته رحمة، وسيرته رحمة وسنّته رحمة. وصدق الله إذ يقول: ''وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين'' الأنبياء.107