بعدما تم إحصاء أكثر من 11 ألف احتجاج اجتماعي في 2012، أغلبها على علاقة بتسيير البلديات، هل ستساعد نتائج محليات 29 نوفمبر في كسب أعوان الشرطة لمكافحة الشغب ''هدنة'' مع احتجاجات الشارع، بعدما تم تجديد عضوية المنتخبين في 1541 بلدية و48 ولاية؟ لخّص الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، في خطاباته خلال الحملة، بأن هذه الانتخابات ''الهدف منها خدمة المواطنين الذين يظلون في الشوارع، مطالبين من منتخبيهم بالسكن والعمل وتحسين الظروف الاجتماعية''، ما يعني أن المنتخبين الجدد سيقع على عاتقهم، حل مشاكل المواطنين والحيلولة دون تركهم يلجأون لطرح مشاكلهم في الشارع، لأن، حسب الوزير الأول السابق، ''هناك ارتباط بين استمرار الاستقرار في الجزائر مقارنة بدول الجوار وعملية الاقتراع في المحليات، لدورها في اختيار المنتخبين الأكفاء والمؤهلين لتسيير المجالس المنتخبة من أجل المحافظة على الطمأنينة، حتى لا يدفع بالشباب إلى قطع الطريق أو تخريب أملاك عمومية''، وهو اعتراف بأن الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر ابتداء من أحداث ''الزيت والسكر'' وما جاء بعدها، مرده سوء تسيير البلديات وغياب الاتصال بين ''الأميار'' والمواطنين. وكانت الصورة التي خلّفها التسيير الكارثي للمنتخبين المحليين، أن السلطات ظلت تتعامل مع احتجاجات المواطنين في البلديات حول قضايا السكن والماء والكهرباء وغيرها، ليس بواسطة ''الديمقراطية التشاركية'' المنصوص عليها في قانون الولاية والبلدية، وإنما بتفضيل منطق ''الكل أمني''، عن طريق دفع أعوان الشرطة لمحاربة الشغب إلى المواجهة في الشارع مع المواطنين المحتجين. وعندما يتم إحصاء أزيد من 11 ألف احتجاج في الشارع في ظرف سنة واحدة فقط، وهي الاحتجاجات التي سجلتها مصالح الأمن، فهو دليل على أن السلطة لا تريد الذهاب إلى معالجة جوهر المشكلة التي تجعل المواطنين يخرجون إلى الشارع، وتكتفي كالعادة بالمعالجة السطحية، من خلال تسخير القوة العمومية لإخماد الغضب ومنع تنظيم المسيرات ضد المسؤولين المحليين، وهو ما يعني اختيار تمديد عمر التعفن وليس علاجه من جذوره. وهو نفس سلوك السلطة في التعاطي مع أسباب عزوف الجزائريين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، بتضخيم الكتلة الناخبة والاستعانة بأصوات الأسلاك النظامية في رفع نسبة المشاركة المتدنية من اقتراع لآخر، ما جعل شرعية المنتخبين ''ناقصة ومهزوزة'' وليس بوسعها مواجهة قضايا المواطنين. ويعترف مسؤولون حكوميون، بأن 95 بالمائة من القضايا التي تخرج المواطنين إلى الشارع، أسبابها وحلولها محلية وليست وطنية، أي على عاتق البلديات والدوائر والولايات، ويكون ذلك وراء تأكيد أحمد أويحيى في بومرداس بأن ''أمن الجزائر من أمن القرى والبلديات، ولتعزيز أمن هذه الأخيرة يجب تحقيق التنمية فيها''. لكن هل بمقدور التركيبة البشرية الجديدة من المنتخبين الذين جاءت بهم محليات 29 نوفمبر الفارط، تحقيق ''الهنا'' الاجتماعي في البلديات؟ صحيح أن حكومة سلال أعلنت عن برنامج في الأسابيع المقبلة ''لتكوين رؤساء البلديات الجدد'' حول إدارة الشأن المحلي، لكن المعضلة، باعتراف الأحزاب نفسها، أن أغلبية الوافدين الجدد للبلديات هم من ''المتجولين السياسيين'' الذين دفعت بهم ''الشكارة'' أكثر من أي شىء آخر، بدليل نسبة المشاركة المتدنية في الاقتراع. يحدث هذا، في وقت لم يتحدد مصير أزيد من ألف بلدية بسبب غياب أغلبية واضحة فيها. وضمن هذا السياق، أبدى الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، وهو صاحب المرتبة الأولى في المحليات، في تجمع له بالمدية ''ندمه على تحالفات سابقة'' لم يذكرها بالاسم، لكنه اعتبرها ''صدقة مناصب'' لم تكن مجدية سياسيا ولا تسييريا، في وقت أفرزت محليات 2012 بقاء 1150 بلدية بحاجة إلى ''تحالفات حزبية'' بالنظر لغياب أي أغلبية حزبية بها، وهو أمر من شأنه أن يرشحها إلى حدوث انسداد في تسييرها، خصوصا أمام ''فسيفساء'' الألوان الحزبية للمنتخبين. ويمكن الحكم على مدى شرعية نتائج المحليات الأخيرة، من خلال قدرتها على تحقيق ''هدنة'' في الشارع الجزائري، وعدم عودة صور حرق العجلات المطاطية والحجارة والمتاريس في المدن الجزائرية، على الأقل في الأشهر الستة المقبلة، أما ما دون ذلك فإن ما ولدته الانتخابات ليس له أي معنى.