لا ندري، أي تاريخ وقيم ثقافية وحضارية سيستمد منها رئيس الجمهورية التجربة الديمقراطية التي ينوي تكريسها بشكل لا رجعة فيه. نحن نعلم أن الأنظمة الاشتراكية السابقة في أوروبا الشرقية كانت تسمي نفسها ''ديمقراطيات شعبية''، أي نقيض الديمقراطية الغربية القائمة على حرية المبادرة والتداول على السلطة. والجزائر أيضا كانت وما زالت تسمي نفسها ''الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية'' رغم اعتراف الجميع والرئيس نفسه في حواره الأخير لوكالة الأنباء الجزائرية أن التجربة الديمقراطية الجزائرية بدأت سنة 98. وإذا أردنا أن نبحث عن هذه القيم في تاريخ أبعد من الخمسين سنة الماضية من عمر الجزائر المستقلة، سنجد طبعا النظام الاستعماري وهذا ليس تاريخنا لأننا حاربناه وتحررنا منه. ثم العهد العثماني، وهو أيضا لم يترك نموذجا يحتذى به في الحكم الراشد أو الديمقراطية أو شفافية التسيير.. بل كان كله فسادا واستغلالا.. بغض النظر عن الامتداد الحضاري الذي يربط بين العالم الإسلامي من إسطنبول إلى أندونيسيا. وما قبل العثمانيين، كانت الجزائر لحسن الحظ تعيش تحت سلطة ملوك لم يتركوا لحسن حظنا ورثة يحكموننا إلى اليوم مثلما هو الشأن مع شقيقتنا الأسرة العلوية.. خطاب الخصوصية الجزائرية إذن يكاد يتحول إلى مرض نفسي بحاجة إلى أطباء مختصين يعالجوننا منه حتى نتحرك ونواكب عصرنا ولا نكرر الأحداث المأساوية التي عاشها ويعيشها أشقاؤنا. والحديث عن عدم جدوى استنساخ التجربة الغربية وتطبيقها عندنا، صالح علميا بشرط أن يراد به باطل، أي ألا نستعمله كشعار لتبرير عدم التغيير. صحيح، نحن مطالبون بالاجتهاد للبحث عن ترجمة الديمقراطية إلى قيمنا الثقافية والحضارية، لكن هذا ممكن بعدما نتفق أن الديمقراطية هي أحسن طريقة لإدارة شؤون أي مجتمع سواء كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا. وصحيح عندما نتفق أن قيمنا وتاريخنا بريء من توريث الحكم أو البقاء فيه مدى الحياة، وصحيح عندما نتفق على أن تكميم الأفواه لم ينزل في الإسلام.. أما أن يفتى لنا بأن الديمقراطية مصطلح غربي وخصوصيتنا الثقافية حكمت علينا بالبؤس.. فتحيا الديمقراطية ولا حاجة لنا للخصوصية الثقافية.