كانت حياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعيشته عجب من العجب، فقد كان يمُرُّ عليه الهلال ثمّ الهلال ثمّ الهلال، ثلاثة أهلة، وما توقد في بيوت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نار، وإنّما هما الأسودان التمر والماء، وربّما ظلّ يومه يتلوى من شدّة الجوع وما يجد من الدّقل (وهو رديء التمر) ما يملأ به بطنه، وما شبع صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أيّام تباعًا من خبز برٍّ حتى قبض، وكان أكثر خبزه من الشعير، وما أُثر عنه أنّه أكل خبزًا مرقّقا أبدًا، ولم يأكل عليه الصّلاة والسّلام على خِوان (وهو ما يوضع عليه الطعام) حتّى مات، بل إنّ خادمه أنس رضي الله عنه ذكر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبزٍ ولحم إلاّ حين يأتيه الضيوف. ولم يكن حاله في لباسه بأقل ممّا سبق، فقد شهد له أصحابه رضي الله عنهم بزُهده وعدم تكلّفه في لباسه وهو القادر على أن يتّخذ من الثياب أغلاها، يقول أحد الصّحابة واصفًا لباسه: أتيتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكلّمه في شيء فإذا هو قاعد وعليه إزار قطن له غليظ، ودخل أبو بردة رضي الله عنه إلى عائشة أم المؤمنين فأخرجت كساء ملبّدا وإزارًا غليظًا، ثمّ قالت: قُبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذين الثوبين. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنتُ أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية.