أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في مرسوم صدر بالجريدة الرسمية يوم 31 أكتوبر الماضي، ضمنيا، تخليه عن حقيبة الدفاع لفائدة وزيره المنتدب عبد المالك فنايزية. فاللواء لا يزال يحمل صفة ''الوزير المنتدب''، لكن بالصلاحيات الواسعة الممنوحة له بموجب المرسوم، يصبح، وفق قراءة قانونية، وزير دفاع فعليا. فما الذي جعل رئيس الجمهورية ينقل سلطاته في الدفاع إلى مساعده في القطاع ؟ لأن المادة 3 مكرر من المرسوم تقول ''الوزير المنتدب مسؤول عن السير الحسن لهياكل وزارة الدفاع''. وهياكل الدفاع هي الأعمدة التي يقوم عليها الجيش الوطني الشعبي، وهي: قيادة الأركان ودائرة الاستعلام والأمن وقيادات القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي عن الإقليم، وقيادة الدرك الوطني وقيادات النواحي العسكرية. وتولية فنايزية كل هذه الهياكل، يفهم منه أن بوتفليقة يحمل فنايزية مسؤولية تسييرها لوحده، وعليه يتحمل أي خلل يقع فيها. بعبارة أخرى، الرئيس أخلى مسؤوليته من تسيير وزارة الدفاع، وهو ما لم يكن متوقعا من رئيس حرص في بداية حكمه على استعادة كل صلاحياته ومن الجيش تحديدا. فلماذا إذن يتخلى بوتفليقة عن حقيبة الدفاع بعد 13 سنة من ممارسة السلطة ؟ هل هو تسليم بعجزه عن استرجاع كامل سلطاته؟ هل صحيح أن الأمر لا يعدو كونه رغبة منه في تسهيل تسيير الوزارة، بنقل هذه الصلاحية لوزير دفاعه، كما ذهبت إليه بعض القراءات؟ أم أنه ليس بهذه البساطة؟ هذا التطور في علاقة الرئيس بالجيش يحيل إلى سنوات حكم الشاذلي بن جديد. ففي جويلية 1990 عين الرئيس خالد نزار وزيرا للدفاع في سياق الانفتاح الذي عاشته البلاد. وبعد سنتين دفعه اللواء نزار إلى الاستقالة. فهل يستقيم التشبيه في الحالة التي سلم فيها بوتفليقة سلطات الدفاع إلى فنايزية الذي يمثل هنا الجيش بما يملك من سطوة في اختيار وخلع الرؤساء منذ الاستقلال؟ هل هي مقدمة لخروج الرئيس من السلطة بمناسبة انتخابات 2014؟ إن استثناء الشخصيات المدنية من التوزير في الدفاع منذ الاستقلال، من أهم سمات الحكم في الجزائر والبلدان التي تحكم فيها الشعوب باسم شرعية الثورات والانقلابات. هي ثقافة لدى العسكر، ولأن بوتفليقة يعي ذلك جيدا، صرح في بداية حكمه بأنه لن يكون ثلاثة أرباع رئيس. والمقصود آنذاك كان قادة الجيش. وبما أن السلطة في الجزائر ترفض أن يكون على رأس الدفاع شخص مدني، يعني أن بناء دولة تحكمها مؤسسات غير متاح حاليا. يكفي فقط أن نلاحظ أن الوزير المنتدب للدفاع يأتي الثاني بعد الوزير الأول في الترتيب البروتوكولي للحكومة! هذا المركز يعني أن وزيرا منتدبا عسكريا أفضل من وزير مدني مكتمل.