التحدي الاقتصادي والاجتماعي في أي وضعية ستتواجد فيها البلاد بعد انقضاء برنامج الاستثمار مع نهاية 2014؟ وماذا بعد احتياطات المحروقات التي توجد في طريقها الى النضوب؟ فالبناءات التي أقيمت دون تنمية ستتطلب مزيدا من الصادرات للموارد الطبيعية، لتمويل صيانتها وتغطية تكلفة استغلالها، وميزانية تسيير تستدعي أيضا مزيدا من تصدير المحروقات لتغطية العجز المرتفع جدا. وبعبارة أخرى، سنلمس حاجة كبيرة لتصدير المحروقات أمام إنتاج ينحو إلى التراجع، وطلب داخلي في ارتفاع واحتياطات ستزداد ندرة. ويتمثل التحدي الاقتصادي والاجتماعي في المرور أو الانتقال من اقتصاد ريعي والإصابة بلعنة الموارد، إلى اقتصاد تنافسي يضمن حماية الأفراد وتنمية فردية وجماعية متناسقة. واقترح على ضوء ذلك برنامجا كاملا لإرساء اقتصاد التنمية الذي يرتكز على سياسة صارمة وفعالة، لتحويل رأس المال الطبيعي غير المتجدّد (المحروقات) الى الرأسمال البشري المنتج لتدفقات العائدات المستقرة والدائمة. هذه السياسة تشمل بالخصوص إعادة توجيه جزء معتبر من الاستثمارات المبالغ فيها حاليا في مجال البنى التحتية، الى استثمارات محدّدة في القطاع المنتج للسلع والخدمات، ولكن أيضا بالخصوص استثمار عدّة ملايير من الدولارات في الموارد البشرية ''تعليم وكفاءات وعلم ومعرفة''، بهدف ترقية وإبراز جيل من المقاولين الذين يمتلكون قدرة الريادة والزعامة والأخلاق والذكاء والقدرة على الحكم والتمييز، وتكوين الإطارات المسيّرة على كافة المستويات في المؤسسات والإدارات، فاستخلاف الإطارات التي بلغت سن التقاعد يجب أن يضمن بسرعة، من خلال برامج طموحة للتكوين وترقية الخلف المناسب، لدرء وتعويض الهدنة التي نعيشها منذ عشريتين في تكوين الإطارات. فهذه السياسة التي تكللت بالنجاح، تم اتباعها في الدول الصاعدة التي عرفت هذه المرحلة من التنمية، على غرار الصين بالخصوص. كما يتعيّن إقامة سياسة اجتماعية حقيقية عصرية، قادرة على تجنيد كافة المواطنين حول مقاربة مرتكزة على محاربة الفقر، والمحافظة على المحيط والعدالة الاجتماعية. هذه السياسة الاجتماعية لا تعني البتة الشحاذة، ولكنها تتمثل في إرساء استراتيجية شاملة ضد التهميش، من خلال تشجيع مشاركة الفقراء في التنمية الاقتصادية، ويمرّ ذلك عبر الاستثمارات المكثفة في مجال الصحة والخدمات الاجتماعية الأخرى، بهدف تحرير مخزون البراعة والمشاركة الاقتصادية لمواطنينا المهمّشين بصورة كاملة اليوم. هذه الاستراتيجية ستتجسد في برنامج كامل لسياسة اجتماعية عصرية وموجهة نحو المستقبل، من خلال إعادة تحديد الأولويات في حصة الدخل الوطني المعاد توزيعه والآليات الفاعلة لتوزيع عادل لأرباح التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأتمنى المساهمة، من خلال هذه المقترحات، في أن نجعل من سنة 2013 نقطة الانطلاق لاستعادة الوعي بالأهمية العاجلة للعودة الى الحلم القديم لأمتنا، وهو بناء دولة يكون فيها الشباب والنساء والضعفاء والمرضى محميين ولهم مكانة في التنمية، وسنعرض الميل الى التشاؤم بضرورة التفاؤل.