يبدو أن المولد النبوي الشريف الذي ينفرد الجزائريون بطريقة الاحتفال به عن باقي شعوب الأمة الإسلامية، أين يتمازج صدى الذكر مع انفجار الألعاب النارية، لن يكون ''ملتهبا'' هذه السنة، حيث حال التضييق على المستوردين دون إغراق السوق بأطنان من المفرقعات عشية المولد النبوي. على غير العادة، تبدو ليالي العاصمة هادئة قبل عشرة أيام تفصلنا عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ولم تعكرها انفجارات ''الشيطانة''، ''الوردة'' و''الدوبل بومب''، مثلما عوّدنا عليه هواة حرق آلاف الدنانير في لحظات. فبجامع ليهود في شارع الشهداء ''امبراطورية المفرقعات'' بالعاصمة تقلّص عدد طاولات بيع المفرقعات التي كانت تصطّف على مد البصر في السنوات الماضية، حاملة أنواعا لا تحصى من الألعاب النارية التي جاد بها ''التنين الصيني''، كما غاب الازدحام وحركة البيع والشراء التي كانت تميز المكان في هذه الفترة، خاصة وأنه الفضاء الذي يقصده الجميع لاقتناء المفرقات بسعر الجملة. توقّفنا عند إحدى الطاولات، فالتفّ حولها عدد من الزبائن كانوا يتفاوضون مع البائع في السعر، غير أن أغلبيتهم غادروا دون اقتناء شيء بعد أن سألوا عن سعر كل ما تضمه الطاولة. ودون أن أكشف عن هويتي سألت صاحب الطاولة عن سبب قلة العرض مقارنة بالسنوات الماضية، فرد مباشرة أن ''الدولة'' ضيقت على المهربين، والميناء يشهد حركة مراقبة غير عادية، مردفا: ''ألا تقرئين الصحف، قبل يومين فقط كتبت ''الخبر'' أنه تم حجز 36 طنا من المفرقعات في ميناء الجزائر كانت قادمة من الصين، إنها ضربة قوية لبارونات التهريب''. ''السيزي'' وراء التهاب الأسعار وراح محدثي يلحّ عليّ باقتناء ''مخزوني'' من المفرقعات، لأن السعر مغر ولن أجد طلبي في مكان آخر، قائلا: ''إذا كنت تظنين أن السعر سينخفض في الأيام القادمة فأنت مخطئة''. واصلت جولتي في جامع ليهود الذي بدا هادئا والحركة فيه قليلة، وتوقفت عند طاولة أخرى شدني الحديث الدائر بين صاحبها وأحد الزبائن، فهذا الأخير بادر صاحب الطاولة عن سبب ارتفاع السعر، ورد البائع أن الرقابة التي تفرضها مصالح الأمن والجمارك في الميناء لم تسمح إلا بتسرب القليل من ''السلعة''. فعلق الزبون مستغربا: ''إذن كيف وصلتكم هذه الكميات؟''، ليرد البائع: ''ما تخافش علينا، حبابنا فتحوا طريق جديدة على العلمة''. ولم يختلف الأمر كثيرا في باقي الطاولات، فالسلع هي نفسها والثمن كذلك، وعبثا حاول الزبائن، على قلتهم، العثور على طلبهم بسعر أقل. فالجميع أجمعوا على أن الأسعار ملتهبة، على غرار شاب قدم من تيبازة لاقتناء كمية من المفرقعات ليعيد بيعها في حيه، ودخل هذا الأخير في مفاوضات مع البائع انتهت بعدم رضا الطرفين، ومغادرة الزبون دون أن يبلغ غايته. استوقفته لأسأله إن كان يرى الأسعار مبالغ فيها، فرد غاضبا: ''لطالما كانت حاويات البارونات تخرج من الميناء محملة بالملايير، ربما حدث خلاف بين أصحاب الفوق''. وطيلة تواجدنا في المكان كانت عبارة ''السيزي'' الكلمة الأكثر ترديدا بين البائعين والزبائن، أكثر من أسماء المفرقعات المعروضة، وهو ما ترجمه أحدهم قائلا: ''ربما سيكون جديد المفرقعات السنة القادمة قنبلة تحمل اسم ''السيزي''. تركنا جامع ليهود إلى باب الوادي أين كانت المفرقعات والألعاب النارية تنافس المعروضات وتفوق عدد الزبائن في ''الدلالة'' وسوق الساعات الثلاث، إلا أنها غائبة هذه السنة، وعبثا حاولنا العثور ولو على طاولة واحدة، وكان رد الباعة كافيا لنترك المكان الغارق في الزحام ''ستجدين طلبك في جامع ليهود، السيزي ما خلانا والو''. وهو نفس ما وقفنا عليه في حي بلوزداد الشعبي، ساحة أول ماي وباش جراح، وربما هذه بشرى لمن ترعبهم ''حرب القناصة'' التي تتكرر ليلة المولد النبوي الشريف من كل سنة، لأنها ستكون الأهدأ منذ عقود.