صرّحت ايميلي صابو جواني، قريبة الباحثة الفرنسية المتخصصة في علم الجناس جيرمان تيون، بأن الهبة التي قدمتها للجزائر، والمتمثلة في أكثر من ثلاثمائة عنوان ومائة وخمسين صورة أخذتها تيون خلال عملها بالأوراس، تعد عربون محبة كانت تكنها قريبتها للجزائر. وقالت في حوار مع ''الخبر'' إن تجربتها في الأوراس في ثلاثينيات القرن العشرين، علمتها الكثير. كيف وصلت جيرمان تيون إلى الجزائر في الثلاثينيات؟ الباحث الأنتروبولوجي الشهير مارسيل موس هو من قرّر إرسالها إلى الجزائر، العام 1934، في رحلة أبحاث ودراسة. ومن خلال مشاركتها في أربع بعثات، في غضون ست سنوات، تمكّنت من أن تجوب أنحاء الأوراس وتعود من إقامتها الطويلة بعدد كبير من الصور وبأطروحة دكتوراه تحت عنوان: ''مورفولوجيا لإحدى جمهوريات البربر''. وهل ساهمت هذه الرحلة في صقل شخصيتها الفكرية؟ ساهمت إلى حد بعيد، لكن لدى عودتها إلى فرنسا سنة 1940، كانت باريس خاضعة للاحتلال النازي، ما أثر على خياراتها. عملت في متحف الإنسان وساهمت في تشكيل أوّل شبكات المقاومة ضدّ الاحتلال النازي. بعد الوشاية بها من قبل عميل مزدوج سنة 1942، تنقلت إلى معسكر الاعتقال النازي في ''رافنسبروك'' مع والدتها التي كانت في عداد من قتلوا بالغاز سنة .1945 وهل استغلت هذه التجربة في مجال الكتابة؟ نعم.. عادت ناجية من المعتقلات النازية ''بمحض المصادفة وبسبب غضبها الذي أبقاها حية''، حاملة معها أحد المؤلّفات الأولى حول آليات الاعتقال النازية، تحت عنوان: ''رافنسبروك'' ومعه أوبيريت ''السجين في الجحيم''، التي عرضت مؤخراً على خشبة مسرح ''شاتليه'' في باريس. الأوبيريت تتحدّث عن تجربتها في معسكر الاعتقال، حيث أتاح لها اعتبارها سجينة سياسية فرصة الكتابة بتغطية من زميلاتها في المعتقل. وكانت في بعض الأمسيات، تنشد بعضاً مما تؤلّفه، لأنّ ''الضحك هو أسلوب من أساليب المقاومة''، كما تقول. وما هي الظروف التي حملتها على العودة إلى الجزائر؟ خلال ''حرب الجزائر''، أوفدها الرئيس فرنسوا ميتران الذي كان وزيراً للداخلية آنذاك، لاستطلاع ودراسة الأوضاع في الجزائر، فذهبت إلى هناك بذهنية المرجعية الأخلاقية المستقلّة، فيما كان الجيش الفرنسي يغرق تدريجياً في أوحال حربه الدموية، فلاحظت تدهوّر أوضاعهم المعيشية وحال الفقر السائدة في أوساط الجزائريين، فقررت لعب دور الوسيط بين الحكومة الديغولية والثورة الجزائرية، فعملت في مكتب جاك سوستيل على إنشاء مراكز التأهيل الاجتماعي لتحسين أوضاع الجزائريين وعزل الثورة التي كانت سائرة آنذاك، غير أن جهودها لن تؤتي ثمارها وسرعان ما تسقطها معركة الجزائر. منذ ذلك الوقت لم تكفّ عن التنديد بأعمال التعذيب التي تمارس ضدّ الجزائريين من دون أن تتخذ مواقف معادية لفرنسا، التزاماً برغبتها في عدم التحريض أو التعبئة ضدّ أي طرف من الطرفين، وساهمت في تجنيب المجاهد ياسف سعدي حكم الإعدام عقب إلقاء القبض عليه. وممّ يتكون الأرشيف الذي قدم اليوم على شكل هبة للجزائر؟ تمثل هذا الأرشيف الهام في ثلاثمائة وخمسين عنوانا، حول الجزائر، كانت موجودة لديها، إضافة إلى أكثر من مائة وخمسين صورة تصور مظاهر من الحياة الاجتماعية في منطقة الأوراس التي عملت بها مدة ست سنوات، وهي التي حرصت شخصيا على تقديم هذه المراجع للجزائر، لأنها كانت ترى أن الجزائريين أولى بهذه المراجع، هذا يعني أنها بقيت على صلة وثيقة بالجزائر.