لا يتألم شعب في العالم، من غير التونسيين، باغتيال الشهيد شكري بلعيد، مثلما يتألم الجزائريون، الذين لا شك أن الكثير منهم بكوا لصورة أرملة المرحوم، وهي تتألم وتوجه أصابعها بكل شجاعة لمن حرّضوا على القتل في الشقيقة تونس، التي لم يفرح شعبها بانتصاره وطرد الدكتاتور بن علي. لا شك أن اغتيال المناضل الرمز شكري بلعيد أيقظ، عند كثير من الجزائريات والجزائريين، آلاما عميقة لم تخمد بعد في دواخلهم لفقدانهم، بالطريقة نفسها التي فقدت بها تونس رمزها، الكثير من الرموز، وكذلك الكثير من الأبناء والبنات الذين لم يكونوا مشهورين قبل أن يصيبهم رصاص أو خناجر الغدر، التي عادت للظهور وراء الحدود الشرقية لبلادهم عند أشقائهم التونسيين. ومع أن المصاب كبير، ولا يمكن لأي شيء في العالم أن يعوض تلك السيدة، التي انتشرت صورتها فجأة في العالم وأبناءها، زوجها المرحوم شكري بلعيد، الذي أجمع مئات آلاف التونسيين الذين يحتلون الشوارع، منذ صباح الأربعاء الماضي، أن اغتياله وضعهم في الصورة الحقيقية لما يتربص بهم، بعد أن أبهروا العالم، قبل سنتين، بكلمة ''ارحل'' التي أطاحت بالدكتاتور، الذي كان المتحكمون في العالم يسوقونه كنموذج للحاكم الراشد والقائد المتنور لبلد مثال في الديمقراطية. يودع التونسيون اليوم الجمعة شهيدهم، شكري بلعيد، إلى مثواه الأخير، وهو الذي كان يتصدر صفوفهم لإيصال ما بدأوه إلى هدفه الحقيقي، قبل أن يتحقق لهم ذلك. ولا شك أنهم سيسيرون بجثمانه إلى المقبرة، وهم متأكدون أن الذين اختاروه لتسكن الرصاصات الخمس في صدره ورأسه فعلوا ذلك بهدف واحد، وهو ''اغتيال ثورتهم'' التي كانت جميلة. ويعرف الجزائريون، أكثر من أي شعب في المعمورة، حجم المصيبة التي ألمت بالتونسيين، خاصة بعد أن بدأت الطبول تدق حولهم في العالم، وشرع ''المحللون''، من أرائكهم المريحة خلف كاميرات القنوات التلفزيونية، ''يتنبأون'' لهم بالحرب الأهلية، كما تنبأوا للجزائريين، خلال محنتهم، باندثار دولتهم. ما أكبر ما ألمّ بالتونسيين من مصيبة، بعد أن تكرر فيها ما كانوا يشاهدونه عندنا خلال محنتنا. وما أكبر مصيبتهم إن كان ما يؤلمهم، باغتيال شهيدهم شكري بلعيد، فصل من المخطط الكبير الذي أدخل المنطقة الواسعة التي تنتمي إليها بلادهم في عين الإعصار. [email protected]