يُطالب الآلاف من الشباب الحكومة باتخاذ تدابير عملية من أجل إلغاء نسبة ال1 في المائة المُدرجة في قروض السكن، تفاديا لما يقولون إنه ''حرج الفوائد الربوية'' التي تحول بينهم وبين الاستفادة من هذه الامتيازات البنكية، وهو المسعى نفسه الذي تتقاسمه معهم بعض الأحزاب السياسية، ومنظمات حقوقية، ومن قبلهم أهل الدين. يتفق السواد الأعظم من المعنيين بهذا الموضوع الشائك، الذين رصدت ''الخبر'' آراءهم، بأن المجهودات الكبيرة التي بذلتها السلطات العمومية في الفترة الأخيرة، من خلال تقليص نسبة الفوائد في القروض لفائدة شريحة الشباب إلى حدود 1 في المائة فقط تبقى غير كافية، كونها لم تتمكّن من تجاوز إشكالية الفوائد الربوية المحرّمة شرعا، الأمر الذي يحرم شريحة كبيرة من المواطنين من تقديم طلبات قروض. ومن ثم الحرمان من الحق في السكن، مضيفين بأن ''الإجراءات الشجاعة والهامة التي اتخذتها الدولة، في إطار قرار تقليص فوائد الديون إلى حدودها الدنيا، لا يُعجزها أن تعتمد إجراءات بديلة تنتهي بالإلغاء الكلي للفوائد، على غرار ما يتم مع قروض الشباب المستفيدين من قروض في إطار وكالات دعم تشغيل الشباب، خاصة وأن القيمة المالية لهذه النسبة ضئيلة جدا، ولا تتعدى، من الناحية العملية، خمسة أو ستة ملايين سنتيم، على أقصى تقدير، بالنسبة لقروض تصل قيمتها إلى مائة مليون سنتيم، ويمتد تاريخ تسديدها إلى ثلاثين سنة كاملة''. ويدعو هؤلاء رئيس الجمهورية إلى التدخل من أجل تحقيق هذا المسعى، الذي سيساهم، برأيهم، في إزالة عقبة كبيرة تعترض قطاعا عريضا من الشباب، خاصة في قروض السكن، وذلك من أجل تفعيل آليات القضاء على الأزمة المستأسدة، والتخفيف من الضغط الذي يُميّز برامج السكن الاجتماعي، والتي باتت تُسبّب صُداعا للجهاز الحكومي، وتُسفر عن احتجاجات عارمة فور تعليق قوائم المستفيدين. الربا.. قليله أو كثيره سواء في الحرمة وفي هذا السياق، وجّه الشيخ بن يونس آيت سالم، نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عبر تصريح ل''الخبر''، نداء إلى من وصفهم بالقائمين على أمور البلاد، دعاهم فيها إلى إلغاء هذه الفوائد الربوية الخاصة بالقروض البنكية، لاسيما وأن البلاد تعيش، حاليا، بحبوحة مالية، مضيفا بأن ''هذا الموضوع مطروح بحدة، ويعاني منه كثير من الناس، باعتبار أن تخفيض نسبة الفوائد إلى 1 في المائة لا يُغيّر الحكم، كونه يبقى صورة من صور الربا المُحرّمة''. وأوضح الشيخ بأن الأمر سيكون مختلفا تماما، والحرج سيزول، نهائيا، إذا تم اعتماد الزيادة التي تُطلب من المستفيد من القرض كنفقات خدمات لصالح المؤسسات البنكية، لأنه، في الشريعة الإسلامية، بين ما يُباح وما لا يُباح هناك شعرة دقيقة. مشددا على ضرورة مراعاة العواطف الدينية للمواطنين، من خلال إزالة العقبات أمامهم، خاصة في هذا النوع من القروض التي تخصص لتوفير مأوى يأوي فيه المواطن أهله وعائلته. من جهته، دافع فاتح ربيعي، أمين عام حزب النهضة، على هذا المطلب الذي وصفه بالشرعي، معتبرا بأن ''من حق أي شاب جزائري أن يتمتع بخيرات بلاده، دون أن تعترضه عراقيل أو معوقات، لاسيما إذا كانت خلفياتها تتعلق بالشرع''، داعيا السلطات العمومية إلى التحرك بإيجابية إزاء هذا الموضوع الذي سيحقق، في حالة تجسيده، مصلحة وطنية كبيرة ستنعكس على الجميع، من خلال تحقيق السلم الاجتماعي الحقيقي. الدولة التي خفّضت الفوائد إلى 1 في المائة لا يُضيرها إلغاؤها وحسب المتحدث، فإن حزبه سيسعى، مجددا، إلى شن حملة واسعة في أوساط نواب البرلمان، بكل انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية، ''من أجل الدفاع عن مطلب إلغاء نسبة 1 في المائة في قروض السكن، الذي تم معارضة اعتماده أثناء المصادقة على تعديل قانون المالية 2013، بالرغم من المطالب التي قدمناها آنذاك''، مضيفا بأن هناك ''لوبي'' يجتهد في حرمان الشباب من الاستفادة من الريع البترولي، ''دون خدش هويتهم وتمسكهم بدينهم''. وتساءل ربيعي عن سر تمسك السلطات بتكريس الفوائد الربوية، رغم خفضها إلى حدود دنيا، في الوقت الذي عمدت العديد من البلدان الغربية إلى فتح شبابيك، على مستوى مؤسساتها البنكية، لا تتعامل بالربا، مُردفا ''الدولة التي قلّصت نسبة فوائد القروض من 6 في المائة لا يُضيرها، إطلاقا، إلغاء 1 في المائة، أو على الأقل إيجاد صيغ توافقية للدائن والمدين، خاصة وأن العلماء وجدوا تخريجا لهذه المسألة يسمح باحتساب الزيادات الطفيفة في خانة الخدمات''. أما فيما يخص رأي المنظمات الحقوقية، فقد اعتبر فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الإستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، بأن نسبة 1 في المائة، التي تعترض سبيل مشاريع وأحلام هذا الكمّ الهائل من الشباب، مبلغ رمزي لا تغطي حتى نفقات البنوك، الأمر الذي يستوجب إلغاءها، ومن ثمّ ''يتهنى الفرطاس من حكّ الراس''، على حد تعبيره، مضيفا بأن السلطات ينبغي أن تتصرف بحكمة في هذا الموضوع الحساس، وتبادر إلى اعتماد قروض سكن من دون فوائد، لأن مراعاة العواطف الدينية للمواطنين وقناعاتهم الشخصية يدخل في صميم حقوق الإنسان. في الوقت الذي يبلغ حجم الطلب الوطني 225 ألف وحدة سنويا العزوف عن القروض يهدّد بإطالة عُمر أزمة السكن يؤشر امتناع الكثير من الشباب عن استخدام آلية القروض، للاشتراك في البرامج السكنية من مختلف الصيغ، بداعي الفوائد الربوية المحرمة، إلى استمرار أزمة السكن لسنوات وعقود أخرى، وذلك بالرغم من البرامج الهائلة التي يتم تسجيلها في المخططات المتعاقبة، والحظائر السكنية التي تنجح الجهات المؤهلة في إنجازها بشكل متواصل. وتؤكد الإحصائيات الرسمية، التي كشفت عنها، مؤخرا، وزارة السكن والعمران، بأن حجم الطلب على السكن في الجزائر يناهز 522 ألف وحدة سنويا. في حين أن وتيرة الإنجاز المحققة حاليا، في نفس الفترة، لا تتجاوز 57 ألف وحدة سكنية، الأمر الذي يوضح التباين بين قيمة الطلب والعرض التي تزداد تأثيراتها، عمليا، على أرض الواقع، بفعل الصعوبات التي يواجهها طالبو السكن، لاسيما فيما يتعلق بتوفير التكلفة المالية للسكن، بالرغم من المساعدات التي تضمنها الدولة في شكل إعانات، ضاعفت الحكومة قيمتها، قبل سنوات، إلى حدود 70 مليون سنتيم يضمنها الصندوق الوطني للسكن، ناهيك عن تخفيض نسبة تسديد فوائد القروض إلى حدود 1 في المائة، والتي رغم رمزيتها إلا أنها لا تزال تشكّل عقبة كبيرة تمنع عشرات آلاف الشباب من الالتحاق بالبطاقية الوطنية للمستفيدين، وتأجيل أحلامهم في الحصول على سكن إلى أجل غير محدد، باعتبار أن جانبا كبيرا منهم يفضّل التضحية بهذا الحق عن السقوط في وزر الربا. وأمام هذا الوضع لا يجد هؤلاء الشباب، الواقعون بين مطرقة حُرمة الفوائد الربوية للقروض وسندان استحالة تدبير التكلفة الإجمالية للسكن بشتى صيغه (الترقوي المدعم، الإيجاري، عدل.. )، بُدا من اللجوء إلى إيداع طلبات السكن الاجتماعي المخصصة للمعوزين وذوي الدخل المحدود، وذلك إلى حين تغيّر الوضع، ما يفسّر الضغط الهائل على هذا النوع من البرامج على المستوى الوطني، والانتقادات التي تعقب عمليات التوزيع، وتنتهي، في كثير من الأحيان، بإلغاء القوائم، أو إرجائها، أو اقتحام السكنات الشاغرة قبل توزيعها. يُذكر بأن السلطات العمومية خصّصت نسبة 20 في المائة من الميزانية الإجمالية للمخطط الخماسي 2010 - 2014 لإنجاز البرامج السكنية المسطرة، والتي تتجاوز حدود مليوني سكن، متوزعة على مختلف أنحاء الوطن، إذ تم رصد أغلفة مالية لتجسيد هذه المشاريع الإستراتيجية بقيمة 4500 مليار دينار، أي ما يعادل 60 مليار دولار، تتنوع فيها مختلف الصيغ السكنية، على غرار السكن الريفي، والترقوي المدعم، والعمومي الإيجاري. خبراء الاقتصاد يؤكدون وجود بدائل أخرى تحويل الفوائد إلى مصاريف خدمات مخرج اقتصادي يُريح الجميع يرى محمد بهلول، الخبير الاقتصادي ومدير معهد تنمية الموارد البشرية بوهران، بخصوص النظرة الاقتصادية لطلب إلغاء نسبة 1 بالمائة فائدة على القرض، بأن هناك آليات اقتصادية بديلة كفيلة بإزالة هذا الحرج الذي تطالب به العديد من الشرائح، وذلك بتقنين نسبة 1 في المائة في شكل مصاريف إدارية وأتعاب للبنك، بدل أن تكون مقيدة في شكل فوائد. وأضاف ذات المتحدث، في تصريح ل''الخبر''، بأن ''رجال الاقتصاد تضبطهم مجموعة من القواعد والضوابط الاقتصادية البحتة والصارمة، ولا يفكرون بمنطق الحلال والحرام، غير أن السلطات الوصية بإمكانها إيجاد مخرج ملائم ينتهي بإدراج نسبة 1 في المائة المقررة في خانة مصاريف وخدمات، شريطة أن يتم توضيح هذا الأمر كتابيا بين الطرفين في الوثائق المحاسباتية، لأنه من غير المعقول، في الوقت نفسه، أن نطالب الدولة بالتنازل عن حقوقها''، مردفا بالقول ''حتى في العُرف الإسلامي العقد هو شريعة المتعاقدين، وهي قاعدة مجسدة منذ القدم، وأطول آيات القرآن الكريم هي تلك المتعلقة بالعقود والديون''، وبالتالي فإن الجوهر الفلسفي للقضية ممكن أن يجمل في تعويض قيمة الفوائد كمصاريف إدارية. من جانبه، يتفق نورين جلواط، أستاذ الاقتصاد، مع إمكانية اللجوء إلى هذه الآلية من خلال اعتماد نسبة الزيادة كنفقات خدمات، غير أن السؤال الجوهري المطروح، حسبه، هو هل أن نسبة 1 في المائة المحددة تُعد ربا، في ضوء وجود معدل تضخم يناهز 4 في المائة، الأمر الذي يطرح إشكالية القيمة الاسمية لمبلغ القرض وقيمته الحقيقية بعد مرور 20 أو 30 سنة مدة تسديد القرض، لأن أمام هذه الحالة فإن الدولة، رغم إقرارها نسبة 1 في المائة، فهي خاسرة بنظرة الميزان الاقتصادي. مضيفا بأن ''الحكومة بإمكانها، سياسيا، اتخاذ تدابير ذات قالب اقتصادي من أجل مساعدة شريحة الشباب، على غرار ما يتم في دول أخرى مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا العظمى، غير أنها مطالبة، في الجهة المقابلة، بإيجاد آليات اقتصادية أخرى وبدائل مغايرة لضبط هذه النفقات وتعويضها، من أجل تفادي اختلال توازن اقتصادها''.