نشر أحد الزملاء على صفحته في الفايسبوك، نص استقالة الإعلامي سليمان بخليلي من منصبه بوزارة الاتصال، وبغض النظر عن صحة الخبر من عدمها، في قضية الاستقالة في حد ذاتها، فإن طرح مسألة الاستقالة في الجزائر يُعَدُّ كُفرا ما بعده كفر وخروجا عن الملّة، أكبر من الكفر الذي اتهمت به خليدة تومي في الأيام الأخيرة، لأن مسألة وزيرة الثقافة تتعلق بمعتقداتها وقناعتها والكيفية التي ترى بها علاقتها مع الله، أما كفر سليمان بخليلي، فإنه خطير جدا في جزائر اليوم، إذ يتعدى على ثقافة وتراث ضارب في عمق التاريخ الجزائري، أن لا أحد يستقيل في الجزائر، فالاستقالة الوحيدة التي يقدمها المسؤول الجزائري بعد عمر طويل هي لملك الموت، أما أن يستقيل بملء إرادته، فيُعتبر في عرف هذا النظام تنكّرا للنعمة التي قدمها لهذا المسؤول، وأحقيته في التنعم بما يجود به عليه من مزايا المسؤولية وفوائدها وفخامتها وأريحيتها، فقليلا، بل نادرا، أن يستقيل مسؤول، إلا إذا تعلق الأمر بحياته أو لأنه أُقيل بدلا من استقال. ومفهوم الاستقالة في الجزائر مرادف لمعنى الكفر بالضبط، خاصة إذا تعلق الأمر بقناعات الفرد وليس بقناعات النظام في الجزائر. إذ يبقى المسؤول في منصبه مهما حدث واقفا وصامدا ''المسكين''، أمام كل مشاكل ومصاعب الحياة، وهذا الشعب الذي لا يقدّر مجهوده وتضحياته لأجله، ولا يفهم حاجته النفسية والمادية والإستراتيجية والغرائزية لأن يبقى مسؤولا، وحبه لهذا الشعب وعشقه لخدمته، مهما شتمه وسبّه واتهمه بكل أنواع التهم، سارق، مرتشي، فاسد، اتكالي، انتهازي، استغلالي، جاهل.. لكن المسؤول المسكين، يبقى كما (علي) في فيلم (الأفيون والعصا) ''يا مسؤول موت واقف''، إذ أنه لو تنطبق السماء على الأرض يبقى في منصبه، يموت نصف الشعب.. يخلد في منصبه، تهرّب كل أموال الجزائر إلى الخارج.. يلتصق بمنصبه، ينتحر نصف الشباب.. يتعلق هو بمنصبه، يختطف كل الأطفال.. يتشبث بمنصبه، حتى لو استقال الشعب الجزائري كله وهاجر، سيبقى المسؤول يحكم الصخر والحجر ولا يأبه أبدا.. الاستقالة في الجزائر ثقافة مرفوضة كالكفر بالضبط، بل قد يقبل هذا النظام أن يوظف فيه من يكفر بالله ولا يوظف أحدا يكفر بنعم هذا النظام عليه، لأن المسؤولية في الجزائر هدية ثمينة إذا أردت أن تخرج من خانة الحاجة وتنتقل من فئة الشعب إلى فئة المسؤولين، ومن خانة المواطنين العاديين إلى خانة المواطنين فوق العادة، فقبّل إذا يدَ النظام ولا ترفض له منصبا أبدا، وقل إياك نستمسك وإياك نستفيد.. لقد اكتشف الجزائريون أن خليدة تومي تحب أن تصلي بلا ركوع ولا سجود، وهو اكتشاف في نظر الكثيرين خطير مقارنة مع اكتشافات سوناطراك والطريق السيار وهلّم جرا. فقد خرجت خليدة عن تقاليد وطقوس العبادة وطاعة الله، وسليمان بخليلي لو استقال فقد خرج عن تقاليد طاعة النظام وعبادة المسؤولية وهذا جرم يعاقب عليه القانون في الجزائر، لأنه بهذا الفعل ينشر فيروسا في النظام، بأن المسؤول يمكن أن يستقيل وليست معجزة، والكرسي والمنصب ليس مهمة مقدسة من يتخلى عنها قد يدخل جهنم، فحتى البابا السابق استقال وهو خادم لله في عرف دينه المسيحي، لقد استقال من يخدم الله فكيف لا يستقيل من يخدم عباد الله؟ ويمكن للشعب، اليوم، أن يطالب، من الآن فصاعدا، باستقالة المسؤولين بما أنها ممكنة. إنها سابقة (إن صدقت) أن يخرج مسؤول عن معتقد النظام الذي يربي مسؤوليه على أن لا استقالة، بل يُقال في أحسن الأحوال أو يقدم استقالته إلى عزرائيل في أسوئها.