كلمني من بريطانيا ومن أكسفورد تحديدا، ليقول لي إنه قد التقاني في جامعة أكسفورد قبل بضع سنوات، وأن كاتبة أمريكية كلمته عني ويود لقائي. كانت دردشة بسيطة على الهاتف، لكنها كافية لكي آخذ فكرة عن موضوع اللقاء. التقينا بعد أسبوعين من تاريخ المكالمة، حيث عقدنا جلسة علمية كشف لي، خلالها، عن إنتاج ضخم يتمثل في موسوعة من خمسة وعشرين جزءا، هي نتاج عقد كامل من الدراسة والبحث، ظل يتنقل خلاله بين اسطنبول والقاهرة ودمشق وغيرها، يجمع المخطوطات النادرة والآثار والتراجم الخاصة بالنساء المسلمات العالمات عبر التاريخ، ليرد لهن حقوقهن المغمورة، إنه الأستاذ الدكتور محمد أكرم الندوي. وأنا أتصفح الجزء الأول، مقدمة موسوعته الضخمة التي جاءت باللغة الإنجليزية، وجدت نفسي أمام حقيقة كبرى غمرها التاريخ، تتمثل في ثمانية آلاف امرأة من المحدثات والفقيهات وعالمات الشريعة ومن بينهن من كانت تدرس في المسجد الأموي وفي المسجد النبوي في قلب روضة الرسول صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي سلط علي فيضا من التساؤلات المتلاحقة حول أسباب إقصاء المرأة من هيئات الفتوى ومؤسساتها؟ ولماذا استمر الرجل وحده يفتي للمرأة لمدة قرون وفقا لطبيعته وتركيبته وسيكولوجيته حتى في أدق القضايا التي تخصها كامرأة؟ قبل سنوات، حضرت في دبلن إحدى دورات مجلس الإفتاء الأوروبي، التي عرضت خلالها قضية (زواج فريند) التي كان قد أثارها الشيخ الزنداني، وإذا بي أجد الاتجاه العام للمجلس يسير نحو الإفتاء بجوازه، طالما أركان العقد متوفرة، دون السؤال عن حقوق المرأة من نفقة ومسكن، ولا عن مقاصد الشريعة من تحقيق السكينة والاستقرار، الأمر الذي دفعني إلى التدخل بقوة في الموضوع، ما أدى إلى تسجيل بعض التحفظات، وعندها التفت لبعض الزميلات قائلة: لو وجدت بعض النساء أعضاء في هذا المجلس الذكوري البحت، لكان هناك رأي آخر يوازن الفتوى في الموضوع، ونفس الشيء ينطبق على زواج المسيار، فضلا عن أنواع أخرى كثيرة من الزواج التي يحرمها بعض الشيوخ جهرا ويقرونها سرا، وكلها فيها ظلم كبير للمرأة والأسرة! وأذكر في نفس السياق، ندوة أخرى كنت قد شاركت فيها في الدوحة حول موضوع دية المرأة، وهنا تدخلت أيضا وأثرت مسألة ضرورة مراجعة بعض ما جاء عن المرأة في التراث الفقهي، واستشهدت في ذلك بتفسير ابن كثير للآية الكريمة (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم..) النساء5، عندما يؤكد أن السفيه هو المرأة والطفل والعبد، وحينها جاءني أحد القياديين الإسلاميين ليقول لي: يا أسماء ذكر هذه الأشياء يثير العلمانيين ويجعلهم يتشفون فينا، فرددت بسرعة ووضوح: هذه أدلجة للدين، هل تشفّي العلمانيين هو الأهم أم الدين والفهم الصحيح له هو الأولى؟ بل أنا أسألكم أنتم العلماء المحدثون كيف تركتم هذا النوع من التفاسير يمر دون تصحيحه إلى أن بات يقره بعض الشباب والدعاة؟! وفي ندوة أخرى نظمتها اليونسكو في باريس تحت عنوان ''النسوية الإسلامية وتفسير النساء للنصوص''، كان الهدف من انعقادها إدراج مناهج ونظريات ما بعد الحداثة في تفسير نصوص القرآن الكريم الخاصة بالمرأة، من منطلق أن بعض علماء التفسير قد تحيزوا في تفاسيرهم ضد المرأة، وحينها ذكرت أمام النخبة الفرنسية أن مصادرنا كمسلمين تتمثل في القرآن والسنة، وأنه لا قداسة لأحد بعد ذلك وكل شيء قابل للمراجعة، مؤكدة على أن جان جاك روسو الذي تقف نظرياته في خلفية الثورة الفرنسية ومنظومة حقوق الإنسان وقوانين الجمهورية، قد حرم المرأة من حق الانتخاب والترشح بسبب أنها لا تملك إرادة خاصة تدخل في مجموع الإرادة العامة للشعب، والتي بموجبها تتحدد الحقوق والواجبات، واستطردت مؤكدة على أنه لا يهمنا جنس المفسر من رجل أو امرأة بقدر ما يهمنا عدم خروجه عن مقاصد الشريعة في تفسيره للنصوص، وأنه ليس لدينا أي عقد أو حواجز من الاستفادة من كل العلوم لاستكمال منظومتنا العلمية الشرعية مما يعتبر غير متفرع في سياقاته عن ما يخالفنا في عقيدتنا. وفي ظل هذه المعطيات، يمكن القول إنه على العالمات والعلماء الصادقين، أن يراجعوا ما تعرض له الدين، خلال قرون طويلة، وما الذي تحول به من إسلام رسالة إلى إسلام تاريخ وإيديولوجيا، وما الذي جعل الفقيه الرجل ناطقا وحيدا باسم المرأة، كما أهمس في أذن الأكاديميات المتخرجات من كليات الشريعة، لأقول لهن إنكن على قدم المساواة في ما تتلقونه من علوم ومعارف، الأمر الذي يستلزم مشاركتكن للفقهاء في كل ما له علاقة بتخصصكن وعلى رأسها مجالات الفتوى!