تحتفل نساء العالم العربي، ومعهن نساء الجزائر، باليوم العالمي للمرأة هذا العام في ظرف استثنائي تمر به المنطقة العربية، في خضم الثورات التي اجتاحت بعض الأقطار أوما سمي بالربيع العربي، حيث طفت إلى السطح الأسئلة والقضايا المتعلقة بالحريات الفردية وحقوق الإنسان والأقليات وحوار الأديان والعلاقة مع الآخر المغاير. ومن بين تلك الأسئلة ما تعلق بالمرأة وحقوقها وحدود تواجدها في الفضاء العام، حيث تزامن صعود الإسلاميين إلى السلطة مع موجة من الاحتجاجات والنقاشات التي كانت في أحيان كثيرة مصحوبة بأحداث عنف و تعدي على النساء وصلت إلى حدود الاغتصاب في مصر، والتعدي بالضرب كما حدث في تونس. هذه الأحداث كانت مرفقة بدعوات إعادة المرأة للبيت ومنعها من المشاركة في الحراك العام. وقد كان الخطاب المرفوع من طرف العديد من التيارات الإسلامية خطابا عدائيا تجاه المرأة مشحون بالدونية والكراهية محاولا استحضار نصوصا فقهية بغية إضفاء الشرعية على الخطاب العدائي تجاه النساء. و رغم أن التاريخ الإسلامي حافل بالنماذج المشرفة لنساء ناجحات في كل المجالات من تنظيم الأسواق، إلى الحرب، إلى التدريس لكن لا نجد مثل هذه الأمثلة المشرفة بادية في الإعلام، وفي المقابل يتم الترويج لكل ما له علاقة بإقصاء النساء وممارسة الاضطهاد ضد حواء استنادا إلى نصوص دينية تأويلية تعطى في كثير من الأحيان صبغة الإلزام وتنسب إلى النصوص المقدسة. لماذا تبدو المنظومة الفقهية اقصائية تجاه النساء؟ ولماذا تغيب المرأة كعقل وكفكر من أحاديث ونقاش الفقهاء؟ ولماذا يعادي بعض الإسلاميين المرأة؟ إعداد: زهية منصر 300 مرشدة دينية لتعليم النساء التربية وأصول العلاقات الزوجية وزارة الشؤون الدينية تحصر النساء في فقه الحيض والنفاس مازالت النظرة ”الدينية” للنساء عندنا محصورة في الأمور البيولوجية التي لا تخرج بالمرأة من ثقافة فقه الحيض والنفاس، بعيدا عن إعمال العقل والنقد في الأمور التي تهم العامة، وكأن قدر المرأة أن تبقى حبيسة غرفة النوم والمطبخ. المؤسسة الدينية الرسمية عندنا تدعم هذا الاتجاه، فمهام المرشدة الدينية ماتزال محصورة في أمور التربية والعلاقة الزوجية، وفتاوى الصوم والطلاق. وزارة الشؤون الدينية والأوقاف خصصت 300 مرشدة دينية عبر مساجد الجمهورية، وهن من حملة الليسانس، يشترط فيهن حفظ القرآن الكريم، وهو عدد قليل باعتراف الوزارة على لسان المستشار الإعلامي السابق عدة فلاحي، الذي قال ل”الفجر” إن عدد المرشدات الدينيات قليل مقارنة بحاجة المساجد والمرافق الدينية. وسبب النقص راجع، حسب عدة، لعدم توفر شرط حفظ القرآن.. وحسب برنامج الوزارة في هذا الشأن فإن المرشدة الدينية ”تضطلع بنقل الفتاوى المتعلقة بشؤون المرأة، كما تسعى لتنظيم دروس في الإرشاد والتربية (البيداغوجيا والثقافة الصحية مثل صحة الأمومة والتوعية بأمراض السيدا وضرر الصوم على الحامل، وغيرها مما له علاقة بصحة الأمومة والطفولة..) والفقه ومحو الأمية. ولممارسة هذه المهام تتلقى المرشدات تكوينا بمساهمة فرع اليونيسيف بالجزائر. زيادة على العمل الجواري الذي يوكل للمرشدة الدينية والمتمثل في زيارات إنسانية للمراكز الصحية والمستشفيات لتخفيف المعاناة على المريضات، وزيارات مماثلة للسجون، حيث تجري لقاءات تربوية ووعظية مع السجينات اللائي وقعن في الخطيئة والرذيلة والانحراف، وهذا حتى يمكن توجيههن التوجيه السليم لتجنب مثل هكذا معاصي. كما تسعى المرشدة في محاولة إصلاح ذات البين حينما تجري الخصومة بين النساء أو بين الزوجة وزوجها، وتحاول توعيتهم وتبصيرهم بالحكمة والموعظة الحسنة”. كما تبدو لنا من المهام المسطرة للمرشدات الدينيات ماتزال المرأة، في عرف المؤسسات الدينية خارج الإطار العقلاني والعقلي، وكأن المرأة لا تحتاج إلى طرح الأسئلة السياسية والوجودية والفكرية. وكأن الدين الإسلامي لا يحتاج المرأة خارج المطبخ والسرير، وكأن التاريخ الإسلامي لم ترد فيه أسماء لنساء قدن حروبا وخططن للمعارك، ودوّن الأحاديث وأشرفن على تنظيم الأسواق. كما برعن في الأدب وصنوف المبارزات الفكرية والنقدية التي حفلت بها مجالس الحكام، وبلاط الأمراء وخيم الصحابة. المستشار الإعلامي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف سابقا، عدة فلاحي: بعض الإسلاميين يعتمدون في نظرتهم للمرأة على الأحاديث الموضوعة يرجع المستشار الإعلامي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف السابق، عدة فلاحي، النظرة القاصرة لبعض الإسلاميين للمرأة إلى التراث الفقهي لهؤلاء، والذي يبنى في غالب الأحيان على النظرة والفهم القاصر للتراث الفقهي والأحاديث الموضوعة، والتي شكلت على امتداد قرون الزاد المعرفي لمن ينظرون للمرأة على أنها ضلع أعوج ولا تصلح إلا للقيام بالواجبات المنزلية وماكينة للإنجاب، وهذا يعود - حسب فلاحي - إلى الاجتهادات الخاطئة لبعض المتعصبين من رجال الدين. بل وحتى الذين يتعاطون الشأن السياسي ويدعون أن للمرأة حقوق، لكنهم لا يضعون المرأة في الصفوف الأولى على مستوى هياكل الحزب أو خلال الاستحقاقات الانتخابية.. بحجة أن المرأة ناقصة عقل و دين، بل لازال البعض منهم يجعلها غير مؤهلة لتولي المنصب الأول في الدولة لأنها قاصر، وكل هذا هو نتيجة غياب الوعي والانفتاح على العلوم والثقافات ما دون الكتب التراثية والكتب الصفراء.. كما أن تجارب الإسلاميين في الحياة المدنية جد قليلة بحكم أن غالبيتهم ينحدرون من الطبقة الريفية المعوزة، وقليل من هم من الطبقة المتوسطة أوالمتمدنة، وهذه الأخيرة تجد صعوبة ومقاومة شديدة عندما تريد تمرير أفكارها الحداثية التي لا تتعارض والأصول الكلية للإسلام. زعيم خنشلاوي، باحث في تاريخ الفكر الإسلامي والتصوف ل”الفجر”: تنميط الدين وانصياع الفقهاء لأهواء السلطة السياسية وراء تهميش النساء لماذا المؤسسة الفقهية عدائية تجاه المرأة رغم أن التاريخ الإسلامي حافل بالنماذج النسوية الناجحة؟ لعل في انصياع جمهور فقهاء الدنيا - باستثناء فقهاء الآخرة - للسلطة والقوة والجبروت وذوي البطش والمال والنفوذ، ما أدى إلى قطيعة تاريخية للمؤسسة الفقهية ليس فقط مع المرأة بل وحتى مع الرجل الفقير، المحروم، المحتاج، اليتيم، المعوق، وكل من هو بطبعه أو لظروف طرأت عليه انحسب من الضعفاء والمنبوذين والمقهورين، ما يفسر انجذاب هذه الأطياف المهمّشة إلى مقامات الأولياء والصالحين ونفورهم الفطري من المؤسسة المسجدية الرّسمية التي ما هي في النهاية إلا وسيلة دعائية غرضها الترويج للأمراء والسلاطين والخلفاء الذين حكموا الناس باسم الإسلام، ولنا في الأزهر أقبح مثال على ذلك.. فالمرأة تمثل الضمير الحيّ للأمة وهي حاملة الأمانة الإلهية، لأنها هي من تورث التقاليد الدينية الصحيحة للأطفال، حتى أن في بعض المجتمعات يورّث الدين عن طريق الأم وليس عن طريق الأب، بل إن الرجل يبعث في الأثر باسمه واسم أمه، ليس بسبب ما يقوله الفقهاء كون الأم معلومة والأب مجهول - تعالى الله عن قولهم - فالله أعلم بالسرائر، وإنما لحكمة باطنة وتكريما للمرأة التي لا تخضع للرقابة السياسية التي يمارسها الفقهاء على دين الله، وهذا ما جعلنا نحظى بروايات وأحكام تناقض الروايات الرسمية التي يرددها الفقهاء من فوق المنابر، والتي غالبا ما يخضعونها لأهواء موظفيهم من الأمراء والسلاطين، بينما المرأة أتقى لربها وأصدق في دينها.. ولنا في نماذج السيدة مريم العذراء، وآسيا بنت مزاحم، وخديجة الكبرى، وفاطمة الزهراء، أمثلة ناصعة عن المرأة العابدة والولية الصالحة، بل حتى زليخة شهيدة الحب في قصتها المؤثّرة مع سيدنا يوسف، تعد من صنف هؤلاء الصدّيقات من وجهة نظر سادتنا الصوفية. ^ لماذا الخطاب الصوفي يعلي من شأن المرأة، وما هو الفرق بينه وبين الخطاب الفقهي في هذا الجانب؟ الخطاب الصوفي بطبعه خطاب معارضة، فهو إن شئنا يمثل إسلاما ثوريا مقابل الإسلام النمطي الذي يمثله الفقهاء الذين اضطهدوهم على مر العصور وأفتوا بقتل العديد منهم من أشهر شهداء التصوف، حسين بن منصورالحلاج، الذي صلب بأمر الخليفة العباسي المقتدر بالله، والسهروردي المقتول ظلما بأمر صلاح الدين الأيوبي، بوشاية من الفقهاء.. والقائمة طويلة. وأود هنا أن أحدّد مصطلح الفقهاء الذي تطور عبر الزمن حتى صار يكتسي صبغة صرف ميكانيكية لا علاقة لها بالروح أو التقوى. فالفقيه هو من له المقدرة على استنباط الأحكام من مصادرها الشرعية لا أكثر ولا أقل، وعليه يمكن لأي دارس لمصادر التشريع الإسلامي أن يصير فقيها حتى لو لم يتحلى بالتقوى بل حتى لو لم يكن مسلما أصلا. هذا لا يمنعه من أن يصير فقيها في الدين. بينما الصوفي هو من سعى واجتهد في تطبيق هذه الأحكام على نفسه قبل أن يحاسب غيره، وهذا الانكسار في النفس وعدم الاستعلاء على الغير هو ما جعل الصوفي ينظر للمرأة نظرة الرحمة والأخوة الإنسانية. فالمرأة بالنسبة للصوفي ليست محصورة في مسائل الحيض والنفاس ولا في مسائل الفراش والطلاق، بل هي إنسان لا أكثر ولا أقل، ومن ثم فهي مكرّمة بنص القرآن الكريم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} سورة الإسراء (70) ومعنية بتحمّل الأمانة الإلهية {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. سورة الأحزاب 72) عائشة بلحجار، رئيسة المنتدى العالمي الإسلامي للأسرة و المرأة.. الحركات الاسلامية كانت سباقة لفتح مجال العمل السياسي للمرأة حسب المناضلة السابقة في حركة مجتمع السلم، في عهد الراحل محفوظ نحناح، ونائب رئيس المجلس الشعبي الوطني سابقا، فإن الظلم الذي قد تتعرض له المرأة ناجم عن انحرافات فكرية وتصورات خاطئة لا علاقة لها بالدين، لأن الإسلام وحياة نبي الإسلام حافلة بالأمثلة والنماذج المشرقة التي تدل على أن هذا الدين أفرد للمرأة مكانة مقدسة، كأم وكزوجة وأخت وفرد في المجتمع. ورغم ذلك لا تنفي رئيسة المنتدى العالمي الإسلامي للأسرة والمرأة أن المنظومة الفقهية في بعضها وليس كلها ظلمت المرأة، وهذا راجع - حسب المتحدثة - ليس إلى الإسلام ولكن للتأثيرات الحضارية التي حملها بعض الفقهاء الذين يصدرون فتاوى لا علاقة لها بالإسلام ونظرته للمرأة . فهناك من المسلمين من أخذ فلسفته من تيارات أخرى لا علاقة لها بالإسلام، تستمد قوتها من الأحاديث الموضوعة مثل ”شاورهن وخالف عليهن”، ومن التفسيرات التي حملتها حضارات أخرى كانت ترى في المرأة شيطانا، وتناقش حتى في آدمية النساء. فالكثير من الظواهر السلبية تجاه المرأة تردها بلحجار إلى الاستعمار الذي حمل إلى بلاد العرب و المسلمين الكثير من الأمراض الاجتماعية التي تركت النساء في ذيل الترتيب الاجتماعي، فلو أرادت الحركات الغربية خيرا بنساء المسلمين - تقول بلحجار - لترك الاستعمار صورة مشرفة للمرأة في هذه البلدان. من جهة أخرى، تعترف عائشة بلحجار أن هناك أخطاء ارتكبت من قبل الحركات الإسلامية في حق النساء، لكن يجب أخذها بموضوعية ووضعها في السياق الاجتماعي للمجتمعات العربية الإسلامية التي تعاني من أمراض عدة، تشمل كل فئات المجتمع وليس المرأة وحدها. بدليل أن حتى الأحزاب العلمانية في هذه البلدان لم يكن فيها للمرأة نصيب من المناصب القيادية، فباستثناء الرئيسات لم يكن للنساء في الأحزاب العلمانية حض القيادة، عكس الأحزاب الإسلامية التي وبمجرد ما فتحو لها مجال العمل أشركت المرأة في كل هياكلها. ففي الجزائر، مثلا، تقول بلحجار، لم تجد الأحزاب الإسلامية مشكلة في ترشيح القيادات النسوية ذات كفاءة عالية وخبرة وحنكة عندما أقرت السلطة قانون الكوطة في التشريعات الأخيرة، بينما وجدت الأحزاب الأخرى صعوبة إيجاد نساء ذات مكانة. ولو لم تفتح الأحزاب الإسلامية الهياكل الحزبية للنساء على جميع المستويات لما تمكنت النسوة من تكوين وعي نضالي سياسي يؤهلهن لانتزاع مكانة في المجالس المنتخبة. وتربط المتحدثة بين واقع المجتمعات الإسلامية وواقع المرأة، حيث يجري عليها ما يجري على الرجل، وترى أن واقع المرأة في الحركات الإسلامية أفضل بكثير من غيرها من الأحزاب، ولا يعدو ما يروج في الإعلام اليوم تضخيم إعلامي هدفه عرقلة المشروع الإسلامي، لأن هناك اليوم في تونس و مصر نساء يتحدثن باسم الأحزاب الإسلامية ويترشحن باسمها في البرلمان، ولا توجد أي نية في منعها من المشاركة السياسية. وتعتقد بلحجار أن نجاح الحركات الإسلامية في تجنيد النساء وتوفير الإطار المرجعي لهن للعمل السياسي إلى تجذرها في المجتمع وارتباطها بواقع الناس. و عليه فالنقد الذي يوجهه البعض للحركة الإسلامية كونها تجند النساء في الحمامات وقاعات الحلاقة والأعراس هو مدح أكثر منه ذم، لأن أي حركة أوحزب لا يذهب إلى عمق المجتمع والقواعد الخلفية للبسطاء عليه أن يستقيل من الحياة السياسية. وعليه فالذين يراهنون اليوم على المشاريع الغربية ويهللون لفشل الحركات الإسلامية هم واهمون، فقد يكون القادة أوالنخبة الحزبية فشلوا في مرحلة ما في تأطير المواعيد الانتخابية، لكن التيار الإسلامي لم ينهزم ولم ينته، بل سيعود أقوى لأنه مرتبط بالعمق المجتمعي للشعوب. الكاتبة والوزيرة السابقة، زهور ونيسي ل”الفجر”: نواب ووزراءفي الحكومة يتذكرون فقط الإسلام عندما تذكر المرأة عادت الكاتبة والوزيرة السابقة زهور ونيسي، في حديث قصير مع ”الفجر”، إلى المعركة البرلمانية التي خاضتها في الثمانينيات ضد بعض النواب وأعضاء الحكومة بسبب قانون الأسرة، حيث كشفت ونيسي أنها في تلك الفترة التي كان فيها النقاش حاميا في أروقة البرلمان حول القانون، كانت هي تستند إلى أقوال الإمام الشافعي والشيخ الغزالي في الحديث عن تحديد النسل وتعدد الزوجات، هذا ما دفع المتطرفين إلى تكفير الشيخ الغزالي وإحراق كتبه. وتؤكد زهور ونيسي أن ثمة وزراء في الحكومة ونواب في البرلمان كانوا معرفين بنمط حياة وسلوكات لم تكن تأخذ الدين مأخذ الجد في حياتهم، بل وفيهم من كان أسلوب حياته في طقوسها اليومية مناقضة للدين تماما، لكنهم تحولوا إلى مدافعين شرسين عن الدين والإسلام عندما ذكر قانون الأسرة، ودافعوا عن تعدد الزوجات، لأن بعضهم كان معددا ومتزوجا بأكثر من امرأة، وحاول أن يفرض نظرته على روح القانون، كما حاول أن يجعل الدين بذلة مفصلة على مقاسه، ويجعل من الإسلام أداة لخدمة مصالحه، بل وما كان الإسلام والالتزام الديني يذكر إلا عندما ذكرت المرأة وطرح قانون الأسرة للنقاش.. وكأن الشرف يختصر في المرأة؟ تضيف السيدة زهور ونيسي قائلة: ”أنا اليوم بحاجة إلى قراءة أخرى للنصوص لا تمس بالروح لكنها تستحضر العقل في قراءة النص القرآني، لأن ما يصلح لحقبة تاريخية لا يصلح لأخرى، وهذا ما يجعل الإسلام رسالة عالمية صالحة لكل زمان و مكان. الخبير الإجتماعي زبير عروس.. مشكلة المرأة في المجتمعات العربية اجتماعية وليست دينية الخطاب الديني الرسمي يهين المرأة وعلينا مساءلة الخطاب الفقهي لأنه ليس مقدس المتصفح للكم الهائل من الفتاوى التي تتصدر الإعلام خاصة بعد موجة ما عرف بالربيع العربي، يجدها تتعلق بالمرأة، لماذا في نظرك؟ = مشكلة المرأة في المجتمعات العربية ليست دينية بل اجتماعية بالدرجة الأولى، وما الفتوى إلا ترجمة لهذا الواقع الاجتماعي، فلو نأخذ الفتوى كنص ونحللها من حيث المحتوى نجدها دائما عبارة عن جواب عن سؤال يتعلق عادة وبالأساس بالمشاكل السائدة في المجتمع، سواء تعلق الأمر بالممارسة الاقتصادية أوبالواقع السياسي والاجتماعي. وما الفتوى إلا جواب عن الأسئلة والمشاكل و الأمراض التي يعاني منها المجتمع، لهذا فالدراسات السوسيولوجية لا تدرس الفتوى من ناحية صحتها أوتوافقها مع هذا المذهب أو ذاك، ولكن تحللها في تطابقها مع الممارسة الاجتماعية. وعليه الفتوى هي مؤشر حقيقي على طبيعة المجتمعات ويمكن دراستها من الناحية التاريخية. على هذا الأساس لأن الفتوى اليوم ليست فتوى الأمس. ولو عدنا مثلا إلى الفترة الاستعمارية في الجزائر نجد أن مجموع الفتاوى التي كانت تصدر في وقت الاستعمار كانت تتعلق في أغلبها بالمشاكل السياسية التي كان يعيشها المجتمع الجزائري في صراعه مع منظومة القيم الاستعمارية، ومثال ذلك أن عبد الحميد ابن باديس حرّم ما هو حلال بالنص، بمنعه زواج الجزائري المسلم من الكتابية، وهذا للضرورة السياسية في وقتها. وكانت الفتوى أيضا تدخل في إطار الصراع الاجتماعي بين قوتين من ذات الحقل المعرفي، ويتعلق الأمر بالزوايا وجمعية العلماء، ولم يكن صراعا دينيا على الإطلاق. بينما كانت الفتاوى تصدر لتمكين هذا الطرف أوذاك من الهيمنة الفكرية والعقائدية على المجتمع، وبالتالي توجيهه وفق رغبات هذا الفريق أو ذاك. ترفع تيارات إسلامية خطابا مزدوجا عن المرأة، فمن جهة تجند النساء بشكل كبير في هياكلها ومن ناحية أخرى ترفع في أدبياتها خطابا يعادي تواجد المرأة في الفضاء العام، كيف تفسر هذا التناقض؟ = عداء الخطاب الإسلامي للمرأة ليس عداءا دينيا وإنما ترجمة لذهنية الذين يقولون بالرأي المعادي لوجود المرأة في الفضاء العام، فالمرأة في الأحزاب الإسلامية لا تعتبر فقط ناشطة سياسية لكنها موجهة لاتجاهات هذه الأحزاب، بل تعتبر قوة أساسية من قوى التوازن داخل الأحزاب، لأنها تمثل وجع الرأس لقيادات الأحزاب على اختلاف اتجاهاتها ومستوياتها. وموقفهم هنا يتعدد بتعدد حاجة هذه الأحزاب للمرأة، في بعض الأحيان ترفع خطابا يرفع مكانة المرأة، بل هو خطاب دعوة لانغماس المرأة في العمل السياسي، لكن عندما تتحول المرأة في مكانها إلى قوة تتحول إلى وجع رأس ويبدأ خطاب التراجع في احتلال الواجهة. ومثال على ذلك طرح في المغرب الأقصى، حيث كانت مجموعة من سيدات أمينات الدارالبيضاء، وهن مجموعة من السيدات اللواتي يشاركن في إدارة الشأن العام في بلدية الدارالبيضاء، وقد جاء تهن فرصة للسفر إلى اسطنبول للمشاركة في مؤتمر السيدات الفاعلات في الشأن السياسي والاجتماعي، فطرح مشكل المحرم، وهو السؤال الذي يلخص التناقضات التي تعاني منها الحركات الإسلامية.. فمن جهة منحت للمرأة الحق في إدارة الشأن العام، ومن جهة أخرى لا سلطة لها على نفسها في ممارسة أبسط حقوقها، حيث خرجت لنا في المغرب بدعة الرفقة الصالحة بمعنى أن يرافق المرأة واحد من أهل العلم والدين والأخلاق، وقد يكون أجهل الناس بالقضايا التي تسافر من أجلها السيدة. فالقضية إذن قضية اجتماعية وسياسية واقتصادية، ولا تأخذ الطابع الديني إلا نادرا، بل في بعض الأحيان الفتوى هي جواب على مشاكل صحية ذات طابع نفسي، فعندما يصل المرء إلى مرحلة اليأس يلجأ إلى الفتوى للإطمئنان. عندما طرح قانون الأسرة للنقاش في البرلمان، تحول الكل إلى مدافعين شرسين عن الإسلام حتى الذين لا علاقة لهم بالدين. لماذا يخاف البعض من تحرر النساء؟ يحدث هذا للمحافظة على التموقع في مكانة ثابتة على حساب المرأة، فلو عدنا إلى قانون الأسرة نجد أنه حقق للمرأة ما لم تحققه لها القوانين الأخرى، لأنه عندما اعتمد في أواسط الثمانينيات دفع بالمرأة للتجند والتنظيم لنقد الخطاب المتطرف، بل ويعتبر اللحظة” التاريخية الأساسية لتأسيس الحركة النسوية النابعة من واقع المجتمع الجزائري كان مطية مشرفة للمرأة الجزائرية من أجل أبرز الواقع المؤسف الذي تعاني منه المرأة التي لازالت تعامل على أساس طبيعتها الجسدية وليس العقل. وقانون الأسرة لم يكن في يوم من الأيام هو المعرقل لنيل المرأة للحقوق الكاملة. وعندما نقول التساوي في الحقوق فإننا نقصد التساوي في المواطنة وفق ما تنص عليها قواني الجمهورية المساواة في حرية اتخاذ القرار والمشاركة السياسية، ليس عن طريق نظام الكوطة لكن بتوفير المناخ التنافسي الجدي الذي يعتمد على الاحترام وفتح الممارسة الاجتماعية على كل المستويات لكي تصبح عنصرا فاعلا. يعاني الخطاب الديني من الازدواجية في تعامله مع المرأة. إلى ماذا يعود هذا؟ توظف التقاليد التي تلصق بالدين عادة من أجل خدمة عدم التوازن في المكانة الاجتماعية بين المرأة والرجل، وهنا المشكل. ومن كم الخطابات الدينية التي تتجاذب المجتمع الجزائري نجد حتى الخطاب الديني الرسمي لم يرق إلى مستوى التعامل مع المرأة كقضية إنسانية، بل ولم يرق على درجة المساواة بين الجنسين حتى على مستوى الممارسة الدينية.. ففي بعض مساجد الجمهورية التي تشرف عليها الوزارة نجد أن المدخل الذي يخصص للنساء هو مدخل الجنائز. على المستوى الرمزي يعد هذا مؤشرا خطيرا على تجميد مكانة المرأة في سلم اجتماعي ثابت، وما زالت في سلسلة تاريخية ممتدة جامدة ولا نملك حتى اليوم خطابا لكسر هذا الجمود التاريخي، طالما أننا حتى الآن لا نملك الشجاعة لاختراق وكسر جمود الخطاب الفقهي، لأن الأحكام الفقهية ليست مقدسة لكنها اجتهادات تعبر عن مرحلة زمنية معينة وليست منزهة عن الخطأ والنقصان. ونحن هنا لا نتكلم عن البين من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، فيما يمكن أن نذهب بالباقي إلى ما ذهب إليه محمد طه و نعطل ما لا ينفع ونحيي ما كان معطلا ونافعا لأن الوقائع الاجتماعية تتغير. برأيك لماذا يخاف المشتغلون في الحقل الديني الاقتراب أوالاجتهاد في القضايا التي تخص المرأة؟ لأننا لحد الآن لم نتجه بوضوح وجرأة لنقد الخطاب الديني التاريخي من جهة الأحكام التي صدرت وفق المذاهب الأربعة، وهي كانت تعبر عن بيئة اجتماعية تجاوزناها تاريخيا. ولا أعتقد أننا سننهض في يومي ما طالما بقينا نخشى إعادة النظر في اجتهادات الأحكام الفقهية، بل سنبقى نردد ونكرر الجمود التاريخي الذي نعاني منه حتى الآن. وحتى الذين يدعون الحداثة هم أكثر الناس تطرفا في الحكم على المرأة من الجانب الأخلاقي ويوظفون الجانب الشاذ للإساءة إلى نجاحات المرأة. وهناك للأسف بعض رجال الإعلام والصحف الذين يساهمون بشكل إجرامي في هذه القضايا وبعض الجرائد، ولأسابب تجارية لا تبرز من الحدث المتعلق بالمرأة إلا ما يشين واقع النساء ككل، مكرسين بذلك الأحكام المسبقة التي تقول أن المرأة ناقصة على عقل و دين. الأغلبية من الفقهاء يستندون إلى ترسانة من الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه و سلم حتى لو كانت موضوعة لشيطنة كل نجاح للنساء.. منطق توظيفنا للأحاديث النبوية الشريفة تحتاج إلى وقفة.. أولا ما هي الأحاديث النبوية من حيث منطق اللغة والمعني وحتى من ناحية العدد. هناك بعض الأحاديث معناه الظاهر يدل على أنها لا يمكن أن تكون أحاديث نبوية، وحتى من ناحية العدد جملة من الدراسات أثبتت عن تزايد الأحاديث النبوية بشكل ملفت بعد وفاته، وكلما غاب الجيل الأقرب إلى الممارسة النبوية زادت الأحاديث، وكلما تزايدت صارت تعبر عن واقع الحالة الاجتماعية التي دونت فيها هذه الأحاديث، أي الكثير منها تعبر عن مرحلة الأكثر انحطاطا من التاريخ العربي والإسلامي. المكانة التي احتلتها المرأة في المجتمع على أكثر من صعيد لم يصاحبها تطور في الذهنيات، لماذا؟ نحن من حيث موقع المرأة في الجزائر مجتمع مؤنث، ونأخذ على سبيل المثال نظام التعليم بكل أطواره النسبة الأكبر من جهة هيئة التدريس، ومن جهة التلاميذ والطلبة الغلبة فيها تذهب دائما للعنصر المؤنث، مهنة الطب تمشي الآن إلى التأنيث، وحتى الممارسة الاقتصادية الحرة في قطاع الأعمال والمقاولات تعبر شركات السيدات من أنجح وأكثر المشاريع عقلانية من ناحية التسيير.. فالمرأة الناجحة في كل المجالات صارت اليوم تمثل الركائز الأساسية للمجامع، إلا أن الجزائري لازال يتصرف وفق الأحكام المسبقة وفقا لثقافة التنشئة الاجتماعية، والتي تنظر للمرأة على أساس الأخذ وليس المشاركة. فمن جهة اليوم المرأة تحتل أكثر من موقع وناشطة في أكثر من اتجاه لكنها معطلة من جهة ترسانة القيم الاجتماعية الخطيرة التي تكبلها وتمنعها من الذهاب بعيدا، وأصبحت تتجسد في الإفراط من إصدار الفتوى من الذين لا حق لهم في إصدار الفتوى حتى صارت إشكالية الفتوى مسخرة من طرف بعض الذين لا علاقة لهم بالدين ولا بالحقل المعرفي الديني.. لدرجة صار لزاما على الوزارة والمجلس الإسلامي الأعلى إصدار بيان يماثل البيان الذي صدر عن الأزهر الشريف في هذا الاتجاه. ألا تعتقد أن جزءا من أحكام التنشئة الاجتماعية المرأة هي المسؤولة عن إعادة إنتاجها داخل مؤسسة الأسرة؟ المرأة تعيد إنتاج ليس إراديا ولكن خوفا من الضياع المكانة أو الخروج من القيم الضابطة للشق الاجتماعي، فلا يوجد أكثر قسوة من حيث اللفظ ومن حيث التوجيه تجاه البت في المجتمع الجزائري أكثر من الأم، لأن لها دراية بقوة هذا المجتمع، وكيف يمكن أن يتحول إلى آلة طاحنة نتيجة إظهار فقط نوع من الحرية في تصرف البنت.