يحرص المسلم على نفع نفسه والانتفاع من غيره في كلّ يوم، لتزداد معارفه، وتنمو خبراته، ويكثر علمه، فالحياة تجارب وخبرات، والنّاس يفيد بعضهم بعضاً بما مرّوا به من معاملات واحتكاك بالآخرين. إنّ تبادل المنافع والمصالح أساسه حسن الاختيار، والحرص على مجالسة أهل الفضل والدِّين والعِلم والوَرع والخُلُق والأدب. ومن أجل هذا، طلب سيّدنا موسى، عليه السّلام، مصاحبة العبد الصّالح ليستفيد منه ومن عمله، كما حكى القرآن الكريم في قوله سبحانه: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أنْ تُعَلِّمَني ممَّا عُلِّمْتَ رُشْداً}. وأمر الله نبيّه، صلّى الله عليه وسلّم، تعليما لنا وإرشادا، بمجالسة الصُّلحاء والفقراء، فقال سبحانه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالغدَاةِ وَالعَشِي يُرِيدُون وَجْهَهُ}. ويُرغِّب الإسلام في التّزاور بين الأصدقاء لتحسين العلاقات بينهم، ومن أجل إظهار المحبّة في الله لا لغرض دنيوي. روى الترمذي، وقال حديث حسن، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن عَاد مريضاً أو زار أخاً له في الله، ناداه مناد: بأن طِبْتَ وطاب ممشاك، وتبوَّأتَ من الجنّة منزلاً''. وميزان الصُّحبة هو اختيار الجليس الصّالح، وصاحب الدِّين والورع، لتحقيق الفائدة والبعد عن جليس السُّوء، وما أجمل حديث أبي موسى الأشعري أنّ النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، قال: ''إنّما مثل الجليس الصّالح والجليس السُّوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحاً طيّباً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة'' متفق عليه. فدلّ هذا الحديث على النّهي عن مجالسة المؤذي في الدِّين والدنيا، والتّرغيب في مجالسة الصّالحين والأخيار. عضو مجلس الإفتاء بالعاصمة