يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ''الوحدة خير من جليس السوء''.. اعلموا يرحمكم الله أنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده في هذا الكون الفسيح ولا يمكن له أن يكون بمعزل عن النّاس لأنّه بحاجة إلى مجالستهم ومخالطتهم فهو اجتماعي بطبعه كما قال علماء الاجتماع. هذا الاختلاط لابد أن تكون له آثار حسنة أو سيِّئة حسب نوعية الأصحاب الّذين يتّخذهم، من هنا جاءت نصوص القرآن الكريم والسُنّة النّبويّة الشّريفة حاثة على اختيار الجليس الصّالح والابتعاد عن الجليس السيِّء، قال عزّ من قائل: ''وَاصْبِرْ نَفْسَك معَ الّذين يَدْعُون رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي يُريدون وَجْهَه''. وقال تعالى: ''وإذَا رأيتَ الّذين يخوضون في آياتِنَا فأعْرِض عنْهُم حتّى يخوضوا في حديثٍ غَيْرِه، وإمّا ينسيَنَّك الشّيطان فلا تَقْعُد بعد الذِّكْرى مَع القومِ الظّالمين''. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''مثلُ الجليس الصّالح والجليس السُّوء كحامِل المسلك ونافخ الكير، فحام المسك إمّا أن يهديك وإمّا أن تبتاغ منه، وإما أن تجِد منه ريحاً طيِّبة، ونافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك وإمّا أن تجد منه ريحاً خبيثة'' متفق عليه. أُّيها المسلم.. اجعل من هذا الحديث الشّريف درساً بليغاً في حياتك ولأبنائك بعد مماتك، وأنتَ تخالط النّاس في كلّ مكان في المجالس وفي الأسواق وفي المدارس وفي المكاتب وفي الدوائر وفي كلّ مجال تخالط فيه النّاس، فاختر أصحابك ومجالسيك ومشاركيك في مزاولة أيّ عمل تقدم عليه، اختر الصّالحين من النّاس ليكونوا لك عوناً وزملاء وشركاء وحاشية ومستشارين، فهذا الحديث الشّريف يفيدك بأنّ في مصاحبة الجليس الصّالح خيرٌ وبركة ونفع، مثل حامل المسك الّذي تنتفع بما معه إمّا بهبة أو بيع أو أقلّ شيء تكون مدّة جلوسك معه منشرح الصدر مرتاح البال برائحة مسكه، فهو يأمرك بالخير وينهاك عن الشرّ وتسمع منه الطيّب من القول والجميل من الحكم، ويُبَصِّرُك بعيوب نفسك عن عيوب الآخرين، يبدل الجهد في تعليمك وإفهامك وإصلاحك وتقويمك، إذا سهوتَ ذَكَّرَك وإذا مَلَلْتَ بَشَّرَك وأنذرَك، يحمي عِرْضَك في مغيبك وحضرك، فهم نِعْمَ الجليس، وكما قال صلّى الله عليه وسلّم: ''أولئك القوم لا يَشْقَى بِهْم جليسُهُم''. × الجليس الصّالح هو الّذي ترتاح إليه نفسك وينشرح إليه صدرك ويطمئن به فؤادك وتنعم بمجالسته، وتسعد بصحبته ولا تندم على معاشرته، فهو عدّةٌ في الرخاء وزينة في الشدّة، فهو الطبيب لكلّ أسقامك والمسكّن لكلّ أوجاعك. وقد شبّهه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ببائع الطيب الّذي ينفحك بعطره ويغمرك بنشره، فإمّا أن يهديك وإمّا أن تجد منه ريحاً طيّبة، فأنتَ معه في ربح دائم ونشوة غامرة، أمّا جليس السُّوء فليس هناك أبلغ من تشبيهه بالجداد الّذي ينفخ بكيره، وأنت تلازمه فإنّك في خسارة دائمة وهمّ كبير. وهاك واقعة حصلت مع عمّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أبا طالب. روى البخاري ومسلم عن سعيد بن المُسَيِّب عن أبيه قال: ''لمّا حضرتْ أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فقال له: يا عمّ، قُل: لا إله إلاّ الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال له: أترغَب عَنْ مِلَّة عبد المطلب، فأعاد عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأعادَا، فكان آخر ما قال: ''هو على مِلَّة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلاّ الله، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو حزين، لأستغفرن لك ما لم أنْهَ عنكَ، فأنزل الله عزّ وجلّ: ''ما كانَ للنّبيّ والّذين آمَنوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى''. * إمام مسجد الريان المدينةالجديدة علي منجلي - قسنطينة