''هذا إنجاز ''الخبر'' وإذا كان هناك رجل يستحقه فهو رئيس التحرير الراحل عثمان سناجقي'' يتحدث الزميل عثمان لحياني، في هذا الحوار ل''الخبر''، عن حيثيات مشاركته وفوزه بجائزة الصحافة العربية في دبي، عن روبورتاج تحت عنوان ''السلفية في تونس.. هل يفرّط التونسيون في نعمة السلم؟''. تفوزون بالجائزة لأول مرة هل توقّعت هذا الفوز؟ لا يمكن لأي صحفي أن يتوقّع فوزه بجائزة أو باستحقاق مهني. ما كنت متأكدا منه أنني أنجزت موضوعا تنافسيا، يرتكز بالقدر الممكن على المعايير المهنية. عندما اطّلعت على نماذج من الكتابات الفائزة في السنوات الماضية، وجدت أن ما أنجزته، وما أنجزه عدد من الزملاء في ''الخبر''، من روبورتاجات وتحقيقات ميدانية، يفوق في جديته ومهنيته هذه المواضيع. وأنا للحقيقة، أرسلت الموضوع للمشاركة، ونسيت الأمر، ولم أكن منتبها للنتائج، إلى غاية إبلاغي من قِبل الصديق الصغير سلام من دبي. وفي الحقيقة هذا ليس إنجازي، هذا إنجاز الجريدة وكل زملائي الصحفيين. وإذا كان من رجل يستحق هذا التكريم العربي فهو رئيس التحرير الراحل عثمان سناجقي، فهو الذي ألقى بي في ''اليم'' التونسي، بعد 5 أيام من حادثة حرق البوعزيزي لنفسه في 17 ديسمبر ,2010 ومنذ ذلك التاريخ وأنا أغطي، بشكل مستمر، تطوّرات الحالة الثورية في تونس وتحوّلاتها بعد سقوط النظام. هل نوعية الموضوع الذي عالجته سبب أقنع لجنة التحكيم باختيارك في هذا الظرف؟ لا أعرف، لكن إذا دخل عامل كهذا في تصنيف الموضوع فإن ذلك يعني أن الجائزة تعتمد على الظرفية، وعلى التلازم بين المواضيع المنجزة والظروف والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة. ما أعلمه أن جائزة دبي تعتمد، بشكل جدّي، على صدقية الموضوع، ومدى التزام الصحفي بقواعد الكتابة الصحفية والمعايير المهنية وجماليات الموضوع. أما الموضوع فأعتقد أن ظاهرة نمو التيار السلفي في تونس، وسيطرته على المساجد فيها، قضية مثيرة. ليس في تونس فقط، ولكن في كل دول الربيع العربي، وباتت لها تأثيرات مباشرة على العالم العربي. تعمل في القسم السياسي ل''الخبر''، فلماذا اخترت المشاركة بروبورتاج حول السلفية في تونس؟ التصنيفات داخل الجريدة، من قسم اقتصادي وسياسي وثقافي ومجتمع وغيرها، هي تصنيفات ليس لها علاقة بالعمل الصحفي. الصحفي صحفي، مثلما يكتب عن الحرب يكتب عن التسوّل، ومثلما يكتب عن الثورات يكتب عن قنوات الصرف الصحي. وللحقيقة، فإن زوجتي، وهي صحفية، وجدت أن الروبورتاج الذي أنجزته عن ظاهرة صعود السلفية في تونس جدير بأن ينافس، ونصحتني بأن أجرّب طرح جهد صحفي جزائري في مضمار المنافسة، ووفّقني اللّه وأكرمني بهذا الجائزة. ما هي الظروف المهنية والشخصية والموضوعية التي تحكّمت في إنجاز روبورتاجك؟ ليست هذه المرّة الأولى التي أكتب فيها عن السلفية في تونس. في 21 جانفي ,2011 أي بعد أسبوع من سقوط نظام الرئيس بن علي، كتبت عن الخروج المفاجئ للسلفيين إلى الشارع في تونس. كان واضحا أن هذا التيار يعيد استنساخ تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر. لكن الموضوع الفائز أنجزته في ظروف متوترة جدا في تونس، في أكتوبر ,2012 بعد أحداث السفارة الأمريكية في تونس، خلال مسيرة السلفيين احتجاجا على الفيلم المسيء للرسول عليه السلام. وخلال محاولة تنظيم ''أنصار الشريعة'' السيطرة على الأحياء والشوارع، عشية نهاية المرحلة الانتقالية في 23 أكتوبر ,2012 كنت قد نسجت، قبل ذلك، علاقات طيبة مع كوادر من هذا التيار، وتواصلت معهم، وقرّرت أن أبحث في تداعيات هذا البروز السلفي، دون أن يكون الموضوع ''محاكمة'' للسلفيين، ولذلك حرصت على أن يتحدث لي واحد من كوادر هذا التيار، سامي الصيد، المتهم أيضا في أحداث السفارة الأمريكية، وقبلها بالإرهاب في تونس وإيطاليا. هل يضيف هذا النوع من الجوائز شيئا لرصيدك المهني؟ ربما تضيف الجوائز إلى رصيد الصحفي شيئا من الاعتبار، لكنها تضيف في الوقت نفسه ضغطا آخر على صعيد المهنية، وقدرا من المسؤولية في الكتابة. من يفوز بجائزة محترمة على الصعيد العربي يكون عليه تحمّل مسؤولية الالتزام بالقدر الممكن من المهنية والموضوعية، والاقتراب أكثر من معايير العمل الصحفي الجدّي، وبأخلاقيات المهنة، والفوز بالجائزة تورّط جميل في مهنة نبيلة. ما تقييمك للعمل الصحفي في هذا النوع بالذات (الروبورتاج) في الصحافة الجزائرية؟ الصحف الجزائرية زاخرة بالكوادر والطاقات، وأنا أعترف أن عددا كبيرا من الصحفيين في الجزائر يكتبون بشكل جيد وجدّي، في أكثر من نوع صحفي. وكثيرا ما نقرأ تحقيقات وروبورتاجات في صحف جزائرية أرقى بكثير مما يُكتب في الصحف العربية، وجديرة بأن تفوز بالجوائز العربية والدولية. لكن مشكلة الصحفي الجزائري أنه منكفئ على نفسه، ومنغلق على بيئته، وليس هناك احتكاك بالقدر الكافي مع البيئات الصحفية الأخرى. كما أن الروبورتاجات والتحقيقات الاستقصائية تحتاج إلى مصاريف، غالبا ما ترفض الصحف الجزائرية تحمّلها.