قدّم المؤرخ الفرنسي، ميشال لوفالوا، شخصية إسماعيل أوربان كنموذج للتقارب بين فرنساوالجزائر من جهة، والديانتين الإسلامية والمسيحية من جهة أخرى، وذكر أن أوربان اعتنق الإسلام في مصر وتزوج من جزائرية ووقف إلى جانب الجزائريين في مواجهة توحش المستوطنين الفرنسيين، ومساندة كثير من القوانين التي أرادت ضمان حقوق الأهالي ضمن ما كان يسمى ''المملكة العربية''. يعتبر إسماعيل أوربان، حسب ميشال لوفالوا، نموذج المثقف الذي كان يعتقد بأنه تقع على فرنسا مهمة الأخذ بيد الجزائريين المسلمين نحو الرقي، بغية ضمهم إليها نهائيا، مع منحهم فرصة الاحتفاظ بمقومات شخصيتهم الوطنية. وذكر لوفالوا في محاضرة ألقاها، أول أمس، بالمركز الفرنسي بالجزائر، أن أوربان ''كرس حياته ونضاله من أجل تحقيق التقارب بين فرنسا والأهالي، فراح يدعو لنشر فكرة جزائر فرانكو إسلامية''. وقدم لوفالوا لمحة عن حياة أوربان الذي ولد يوم 31 ديسمبر 1812، من علاقة غرامية جمعت تاجرا من مارسيليا يدعى أوربان، وبين امرأة خلاسية تحررت من الرق، تدعى أوبولين. واستنادا إلى كتاب شارل روبير أجيرون، قال لوفالوا إن أوربان ''قرر أن يشن مقاومة سلمية هدفها الوحيد تحقيق تقارب بين الأجناس، ونشر روح التفاهم بين الزنوج والبيض، من منطلق انتمائه إلى طبقة الملونيين''. وحسب لوفالوا الذي أصدر، مؤخرا، سيرة ذاتية ضخمة من جزأين حول مسار إسماعيل أوربان وحياته، فإن ''السان سيمونيين'' أثروا في أوربان أيما تأثير، فرحل إلى الشرق خلال حملات، واعتنق الإسلام في مصر سنة 1835، واختار اسم إسماعيل، ثم استقر في مدينة دمياط، حيث شغل منصب أستاذ اللغة الفرنسية في المدرسة العسكرية. وجاء في محاضرة لوفالوا أن أوربان جاء إلى الجزائر سنة 1837، فاصطحب الجنرال غالبوا إلى قسنطينة، وكان يأمل في ''إرساء نظام إداري مسالم يعمل لصالح الأهالي وليس ضدهم''. وفي سنة 1840، تزوج أوربان من امرأة مسلمة تدعى ''جيمونة'' بنت مسعود، فعاش وفق نمط الحياة المسلمة وارتدى اللباس العربي. كما رافق أوربان الدوق دومال بصفته رئيس المترجمين. وفي سنة 1854، استقر في باريس رفقة زوجته وابنته ''بية''، ليعود إلى الجزائر بعد ثلاث سنوات وراح يبحث عن السند السياسي لتنفيذ أفكاره الليبرالية والإنسانية بخصوص الجزائر. وذكر المحاضر أن أوربان تعرض للهجوم والإذلال من قبل المستوطنين، واعتبر ''مارقا ومرتدا''، بسبب اعتناقه الإسلام واعتباره ''دينا متسامحا جدا''، واعترض على سياسة نهب الأراضي من الأهالي، داعيا إلى مساعدتهم من أجل أن يتحولوا إلى مزارعين وملاك، فرفض فكرة ''استئصال المجتمع المحلي''. وأضاف لوفالوا أن أفكار إسماعيل أوربان لقيت إقبالا من قبل الإمبراطور نابليون الثالث الذي زار الجزائر سنة 1863 وحاول تطبيق أفكاره وتجسيدها على أرض الواقع، لكن تعنّت لوبي المستوطنين حال دون ذلك. وختم لوفالوا محاضرته بالقول: ''أعتقد أن إسماعيل أوربان يعتبر نموذجا حيا للتقارب الجزائري الفرنسي، فهو الذي مهّد لعلاقات إنسانية بين الطرفين''.