هل حقاً تركيا اليوم هي النموذج؟ أم أن هذه التجربة لها خصوصيات لا يمكن إسقاطها على العالم العربي؟ وإلى أي مدى نجح أردوغان في تسويق النموذج التركي؟ من الواضح أن أردوغان يحاول، تحت مزاعم وأهداف خاصة بالأدوار الإقليمية التركية وقدرتها على تسوية الملفات الملتهبة، جعل تركيا نموذج يحتدى به.. وما يفعله من دفع الوصول إلى تدخّل عسكري بأي طريقة، خاصة بما يتعلّق بالملف السوري والكردي، وهذا ما يجعل تركيا تبحث عن مصالحها القومية التي تمكّنها من تكوين هذه الخطوات. والحقيقة نقرأها بشكل واضح من خلال الأسئلة التالية: هل أراد أردوغان أن يثبت قوة حزبه من خلال علاقاته المتعددة مع العالم العربي والإسلامي؟ وهل يدل ذلك على أن هذه التجارب قادرة على تصدير هذا النموذج إلى البلدان العربية؟ أم أنه مجرد إلهام؟ حسناً، لنخوض في تحليل الموقف بموضوعية السياسة الثابتة.. في بداية الربيع العربي، بدأ التركيز في طرح هذه المعادلة بمفهوم أن المسألة ليست مسألة نموذج، بل هي مجرد تجربة تركية ناجحة بتحفظ، ولا يمكن على الإطلاق أن نقول إن تركيا لها نموذج تصدّره إلى دول عربية أو إسلامية، فالنموذج التركي لم يكتمل بعد، لأن البلاد مازالت، أصلاً، تناقش الدستور، وكذلك المشكلات التي تربطها مع العلاقات التي تخصّ الاتحاد الأوروبي، وملف الأكراد من جهة أخرى، والكثير من الأزمات الشائكة التي تخرجها من دائرة النموذج. في كلام صريح، قال راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة التونسي، بأنه يريد النموذج التركي في تونس، وأنه يريد الاستفادة من هذا التجربة كي تطبّق على المجتمع التونسي.. من هنا نلاحظ التأثر الكبير الذي وقع فيه الكثير من القادة العرب في هذه التجربة، كمرسي في مصر، وبن كيران في المغرب، والغنوشي في تونس كما ذكرنا سالفاً.. فهناك عدم تصحيح وسلبية في التوضيح. وحتى الإخوان المسلمون في العالم العربي هم أيضاً لهم تحفّظات كثيرة، لأن النقطة الأساسية لكل دولة عربية وإسلامية لها خصوصية سياسية، ثقافية، اقتصادية، واجتماعية، وكذلك جيولوجية وتاريخية، وهي تختلف تماما عن الحالة التركية، فلماذا نفرض هذا النموذج، وننزله في هذه البلدان؟ لماذا لا نترك هذه البلدان تبني نموذجها الخاص وترسّخه من الأسفل إلى الأعلى؟ يقول بعض المحللون إنّ أردوغان أظهر سيرة تركيا المحبة لأشقائها العرب، لكن عند الأزمات لم نسمع سوى الكلام لا أكثر، لذلك هو نجح في تلميع تركيا بالكلام لا بالأفعال، ويقول البعض الآخر إن تركيا أصبحت نموذجاً لدول العالم، والكثير من الدول تحاول الاستفادة من الخبرة الأردوغانية. وقبل الثورة السورية كان النموذج التركي مقنعاً، أما الآن فقد اكتشف الكثير تبعية تركيا الكبيرة لأمريكا، وهذا ما يفسّر أن الأردوغانية نجحت في تركيا بسبب تجذّر النموذج العلماني، والوضوح الديمقراطي، والنمو الاقتصادي المتنامي، حيث نجح أردوغان في إقناع الأتراك بالعدول عن الحلم الأوروبي، وتلجيم العسكر المعارضين لعودة تركيا إلى حاضنة الدول الإسلامية. إن التجربة التركية مؤسسة على الناحية الاقتصادية، ولهذا تبقى دائماً في مجال التجربة لا النموذجية، لأن فكرة النموذج المتواجد في الدول العربية والإسلامية، خاصة في ظلّ الربيع العربي، هي نتيجة بالأساس من الدول الخارجة من حالة اللانموذج، ومن ثمة تنبهر بالنموذج، أو شبه النموذج، أو النموذج اللامتكامل.. فهل تتمكن تركيا من تحقيق التوازن دائماً بين علاقاتها مع الدول العربية التي تخضع لسيطرة الإخوان المسلمين، وتنجح مع الغرب، وإسرائيل في الوقت نفسه؟ وتبقى المعادلة صعبة للغاية، لأن تنظيم هذه المسألة لا يتعلّق بالأتراك وحدهم، بل بقية الأطراف مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل التي لها مواقف واضحة من الطريقة الأردوغانية، ومن حزب العدالة والتنمية، والتي لا يمكن أن تتراجع عنها بهذه البساطة؟