عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتّى رمضان”، رواه أحمد والأربعة، وهو حديث صحيح. ومعنى الحديث: النهي عن ابتداء التطوّع بالصوم بعد النصف من شعبان لمَن ليس له عادة، وأما مَن صام أوّل الشهر أو كانت له عادة كصوم الاثنين والخميس وصوم ثلاثة أيام من كلّ شهر، فلا مانع من أن يصوم آخره لما ثبت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالأسانيد الصحيحة أنّه كان يصوم شعبان كلّه إلاّ قليلاً. وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “لا تقدّموا رمضان بيوم أو يومين إلاّ مَن كان يصوم صومًا فليصمه”، أخرجه البخاري ومسلم. ففي هذا الحديث: النهي عن تقدّم رمضان بصيام التطوّع بيوم أو يومين لمَن ليس له به عادة ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متّصلاً بآخره. وتجدر الإشارة والتذكير بأنّه لا ينبغي لمَن علم فضل صيام شعبان أن يتهاون فيه، وأن يجتهد في الأكل والشرب وإشباع الشهوات لاتّخاذها ذخيرة لشهر رمضان، فمثل هذا الصيام يستثقل الصيام ولن يوفق للعبادة في شهر اللّه المبارك. وفي المقابل، لا ينبغي على المسلم أن يرهق نفسه بصيام وهو غير مطيق له ولا معتاد لمثله، فيحمّل نفسه ما لا يطيق ثمّ سرعان ما ينتكس وينقطع، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “إنّ الدِّين يُسر، ولن يُشادّ الدِّين أحد إلاّ غلبهُ، فسدِّدوا وقارِبوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُلجة”، أخرجه البخاري ومسلم. ومعنى الحديث: النهي عن التّشديد في الدِّين بأن يحمل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يتحمّله إلاّ بكلفة شديدة، وهذا هو المراد بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: “لن يُشادّ الدِّين أحد إلاّ غلبه” أي: أنّ الدِّين لا يؤخذ بالمغالبة، فمَن شاد الدِّين غلبه وقطعه. وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: “لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، وكذا يصوم شعبان كلّه، وكان يقول خذوا من العمل ما تطيقون، فإنّ اللّه لا يمل حتّى تملوا، وأحبّ الصّلاة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما داوم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلّى صلاة داوم عليها”.