ستكون غالبية الأندية الجزائرية، التي تنشط في القسم الأول أو الثاني المحترفين، معنية بالتوجه، في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، "أفواجا" نحو الدولتين الجارتين تونس والمغرب، وحتى بعض البلدان الأوروبية، على رأسها بولونيا، لإجراء التربصات الإعدادية المغلقة تحضيرا للموسم الرياضي 2013/2014، وهذا نظرا لغياب الهياكل القاعدية الرياضية الهامة هنا في الجزائر، التي تسمح بضمان تحضيرات جيدة قبل الدخول لغمار منافسة البطولة الرسمية. غياب المرافق في الجزائر يدفع هذه الأندية للسفر خارج الوطن، في هذه الفترة، لإجراء التربصات المغلقة في المركّبات التي تتوفر على عدد كبير من الملاعب، إضافة إلى قاعات تقوية العضلات والسباحة وكذا وسائل الاسترجاع، حيث باتت كثير من المركّبات الرياضية التونسية والمغربية مشهورة كثيرا عند الجماهير الجزائرية، لأن غالبية الفرق تتربص فيها سنويا في صورة مركّب المرادي بمنطقة حمام بورڤيبة والمركز الدولي للتربصات في عين الدراهم ومركز برج السدرية ومركّب الترجي التونسي بالعاصمة ومركّب النجم الساحلي بمدينة سوسة ومركّب منطقة أيفران المغربية. والنقطة الملاحظة هي تفضيل غالبية الفرق، إن لم نقل كلها، التربص في تونس أو المغرب، سواء التي تتمتع بميزانيات مالية ضخمة أو ضئيلة، لأن المدربين يشترطون على إدارات فرقهم التربص هناك، لأنهم على يقين بأنه في حال تربصهم في ملاعبهم فإن أهدافهم المسطرة نظرا لغياب أبسط “الضروريات” لن تساهم في نجاح الفترة التحضيرية. الأندية الجزائرية تدفع مبالغ مهمة بالعملة الصعبة وتستفيد خزينتا الدولتان التونسية والمغربية، مع فترة الصيف، من مبالغ مالية معتبرة بالعملة الصعبة، يكون مصدرها الأول الأندية الجزائرية التي تفضّل التربص في المركّبات الرياضية المتواجدة بهاتين الدولتين، حيث يدفع فريق جزائري واحد مبلغ يفوق 500 مليون سنتيم في حال تربّصه لمدة عشرة أيام بأحد المركّبات الرياضية المتواجدة في تونس. وهو ما يدل على أن المركّبات الرياضية المذكورة تحقّق أرباحا مالية معتبرة، جراء نجاحها في استقطاب الأندية الجزائرية إلى وجهتها، دون قيامها بحملات إشهارية وإعلانية كبيرة، وهذا يعود لكون الجزائر، التي تتمتّع بمساحة جغرافية كبيرة وبمناخ معتدل وميزانية مالية “خرافية” لا تتوفّر على مركّبات رياضية ضخمة تساعد هذه الفرق على إجراء التربّصات فيها، حيث يعلم الكثيرون بأن الجزائر تتوفر على مركّب رياضي محترم “واحد” يتوفر على هياكل جيدة، وهو مخصّص لصالح المنتخبات الوطنية، ونقصد به مركّب “سيدي موسى” بالجزائر العاصمة، حيث لم يفكّر المسؤولون على هذه البلاد، مع السنوات الماضية، في وضع برنامج خصيصا لتشجيع ما يعرف ب”السياحة الرياضية” في مختلف المناطق خاصة منها الجبلية والساحلية. إنجاز المركّبات الرياضية يخلق حركية اقتصادية ومن دون شك، فإنه في حال إنجاز مركّبات رياضية ضخمة هنا، في مختلف المدن الجزائرية، فإن ذلك سيساعد على خلق حركية اقتصادية فعّالة من خلال إيجاد مناصب الشغل للمئات من الشباب العاطل وضمان مداخيل مالية هامة لصالح خزينة الدولة، وهذا لكون الأندية ستفضّل التربص هنا داخل الوطن، دون اللجوء إلى المركّبات الرياضية المتواجدة في تونس أو المغرب لعدة معطيات، أهمها، بالدرجة الأولى، تقليص مصاريفها المالية وتشجيع “السياحة الوطنية”، حيث وبالرغم من الوعود المقدّمة من قِبل “الدولة” عند تطبيقها لمشروع الاحتراف في البطولة الوطنية، من خلال تأكيدها على إنجاز مركّب رياضي لكل فريق محترف، غير أن هذه الوعود لا تزال حبرا على ورق، مادام أن غالبية الأندية لم تحصل بعد على عقود الملكية للقطع الأرضية الممنوحة لها من قِبل السلطات المحلية لإنجاز هذه المركّبات، إضافة إلى عدم امتلاكها لأغلفة مالية تسمح لها بإنجاز هذه المشاريع على حسب المعايير الدولية. القالة جنة اللّه فوق الأرض غير مستغلة من السلطات تتوفّر كثير من المناطق الجزائرية، خاصة الجبلية والساحلية، على مناطق طبيعية خلابة ومناخها أقل ما يقال عنه بأنه رائع، وتبقى دون استغلال من قِبل السلطات الوصية في إنجاز المركّبات الرياضية الضخمة. ومن أهم هذه المناطق نجد بلدية “القالة” في ولاية الطارف الحدودية مع تونس، التي لم يهتم بشأنها المسؤولون، رغم أن كثيرا من الخبراء والمتتبعين يرون بأنها المنطقة المناسبة لإنجاز مركّبات رياضية لتوفّرها على إمكانات طبيعية هائلة، ومناخها لا يختلف كثيرا على المناطق التونسية المجاورة التي تمتلك المركّبات الرياضية من الطراز الأول، حيث تبقى هذه المنطقة الجبلية والساحلية في الوقت نفسه مهملة من قِبل السلطات، بدليل تواجد الآلاف من شبابها في بطالة عن العمل، ودائما ما تسجل فيها احتجاجات واسعة، نظرا لغياب ضروريات العيش الكريم. وتمتلك ولاية سطيف، أيضا، منطقة جبلية رائعة اسمها “مغرس”، يؤكد بشأنها المختصون أنها تعد مكانا مناسبا لإنجاز المركّبات، مثلها مثل كثير من المناطق الرائعة في ولايات عديدة، مثل جيجل وتيبازة الساحليتين. جمهورية “الهندي” عوض جمهورية “البنان” سيضطر المئات من شباب وأطفال منطقة “القالة” وباقي المناطق الحدودية، مع فصل الصيف، للخروج إلى الطرقات تحت أشعة الشمس الحارة، لعرض فاكهة “التين الشوكي”، المعروف لدى الجزائريين باسم “الهندي”، وعرضه للبيع على سائقي المركبات المتجهين نحو تونس المجاورة للسياحة. وعلى العكس من هذا، فإن الشباب “التوانسة”، القاطنين في منطقة حمام بورڤيبة أو عين الدراهم التي لا تبعد سوى بكيلومترات قليلة جدا عن القالة، ستجدهم يعملون بشكل محترم جدا في المركّبات الرياضية المتواجدة بمناطقهم، خاصة وأن عدد الأندية الجزائرية التي ستتربص عندهم لا يقل عن سبعة فرق. حيث يخلق الاستثمار في “السياحة الرياضية” مناصب شغل تقدر بالمئات لصالح الشباب العاطل، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما يجعلنا نقتبس من الكاتب الأمريكي أوهنري في وصف الديكتاتوريات القديمة في أمريكا اللاتينية بأنها جمهوريات “الموز”، أما عندنا فنحن نعيش تحت اسم “جمهورية الهندي” . هل تمتلك الجزائر فعلا وزارة للسياحة؟ والسؤال في النهاية هو هل: تمتلك الجزائر هيكلا إداريا وطنيا اسمه وزارة السياحة؟ لأن جميع الجزائريين لم يسجلوا تطورا ملحوظا في هذا القطاع منذ نجاحهم في القضاء النهائي على دمار الإرهاب مع السنوات الأخيرة الماضية، حيث بات من الضروري على مسؤولي القطاع الاهتمام بجدية في خلق حركية حقيقية، والمساهمة في ضمان مداخيل مالية معتبرة لخزينة الدولة، وليس الاهتمام فقط بمجموعة من الأفراد جنسياتهم مختلفة يقدمون للسياحة في الصحراء، والكذب على الشعب بأرقام ليست حقيقية وإنما خيالية بعيدة عن الواقع المعاش. ومن المفروض، أيضا، على المسؤولين على هذه الوزارة “الميتة”، بالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة، الاهتمام بفكرة “السياحة الرياضية”، من خلال وضع برنامج عملي وخاص بإنجاز مركّبات عملاقة رياضية تساهم في تحسين نتائج رياضيينا في مختلف التخصصات.